تواجه مدينة جرابلس وريفها الشرقي في حلب تحديات جمة بعد سنوات الحرب والتحرير، حيث لا تزال عودة المهجرين محدودة بسبب ضعف الخدمات الأساسية ونقص المساكن. شهدت المدينة تغيرًا ديموغرافيًا ملحوظًا، إذ ارتفع عدد السكان من 58 ألف نسمة قبل الثورة إلى 168 ألفًا خلالها، ثم استقر عند حوالي 110 آلاف بعد سقوط النظام في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
على الرغم من تحسن الوضع الأمني، لا تزال الظروف المعيشية والاقتصادية تشكل عائقًا أمام الاستقرار الكامل. يقول خالد الجادر، أحد سكان المدينة الذي عاد عام 2017، لمنصة سوريا 24 إن المدينة اليوم أكثر أمنًا بفضل وجود الجهات الأمنية وعودة جزء كبير من الأهالي، لكن الخدمات متفاوتة؛ فهي جيدة داخل جرابلس من حيث الكهرباء والمياه والمحروقات، بينما يعاني الريف من ضعف واضح في هذه المجالات.
ويشير أيضًا إلى تراجع الصيد في نهر الفرات بسبب تهديدات أمنية على الضفة الشمالية، مما أثار قلق الصيادين وحرم الكثيرين من مصدر رزقهم الأساسي. يؤكد المزارع أبو ياسر لمنصة سوريا 24 أن القطاع الزراعي يواجه صعوبات متزايدة، أبرزها الجفاف وارتفاع تكاليف المحروقات والأسمدة والأدوية، بالإضافة إلى ضعف جودة البذار وتأخر استلام المحاصيل، مما أثر سلبًا على الإنتاجية وهدد الأمن الغذائي المحلي.
يوضح حسين حميدي، عضو مكتب الإحصاء والتخطيط في المجلس المحلي، لمنصة سوريا 24 أن الواقع الاقتصادي في جرابلس تراجع نتيجة انخفاض الاستهلاك وانتقال المستثمرين نحو المدن الكبرى، مما قلل من فرص العمل وعمق الأزمة المعيشية. ويضيف أن الزراعة دون المستوى المطلوب بسبب غلاء مستلزمات الإنتاج والأحوال الجوية، على الرغم من أهمية المحاصيل المزروعة مثل القمح والشعير والذرة الصفراء والسمسم والخضار الصيفية والشتوية، بينما تراجع القطن الذي كان زراعة أساسية سابقًا.
كما يشير إلى أن بحيرة نهر الفرات/سد تشرين/ تساهم في رفع منسوب المياه الجوفية وري الأراضي، لكنها غير مستثمرة سياحيًا، وأن صيد الأسماك يشكل مصدرًا أساسيًا للدخل ولكنه غير منظم بما يضمن استدامته. ويؤكد أن المجلس رفع طلبات متكررة لإنشاء مختبر لتحليل التربة ومشاريع للطاقة الشمسية بهدف تحسين عملية الري ودعم استقرار الزراعة.
تقف جرابلس اليوم بين واقع مليء بالتحديات وفرص واعدة يمكن أن تعيد لها دورها الحيوي في الشمال السوري. فالمدينة التي استعادت أمنها لا تزال بحاجة إلى خطط تنموية جادة تعزز الخدمات، تدعم الزراعة، وتنظم استثمار الموارد الطبيعية بما يضمن استقرار سكانها ويمنحهم أسباب البقاء والعودة.