الأربعاء, 29 أكتوبر 2025 08:18 AM

في شمال سوريا: نساء يقتحمن سوق العمل لمواجهة غلاء المعيشة وتأمين احتياجات أسرهن

في شمال سوريا: نساء يقتحمن سوق العمل لمواجهة غلاء المعيشة وتأمين احتياجات أسرهن

في مدينتي رأس العين وتل أبيض شمالي سوريا، تتجه أعداد متزايدة من النساء نحو العمل في مهن متنوعة، وذلك بهدف توفير دخل يساعدهن على تلبية احتياجات أسرهن في ظل نقص فرص العمل وارتفاع تكاليف المعيشة. تشهد الأحياء السكنية تحول بعض الأعمال من الورش والمحال التجارية إلى المنازل، حيث تعمل النساء لساعات طويلة لإنجاز الطلبات والمساهمة في تحسين دخل الأسرة.

تتنوع المهن التي تزاولها النساء في المدينتين، بدءًا من بيع الخضار والفواكه في الأسواق، مرورًا بصناعة المأكولات المنزلية، والخياطة وإصلاح الملابس، وإعداد منتجات الألبان، وصولًا إلى الأعمال الحرفية البسيطة مثل صناعة الحقائب والسلال اليدوية، وتقديم خدمات تنظيف المنازل في بعض الأحيان.

تقاسم الأعباء المعيشية

أدت الظروف الاقتصادية في رأس العين وتل أبيض إلى تغيير نمط حياة الأسر، حيث أصبح كل من الرجل والمرأة يتقاسمان المسؤولية في توفير دخل الأسرة وتغطية النفقات اليومية. يتم ذلك من خلال عمل النساء في الأسواق والمشاريع المنزلية، بينما يعمل الرجال في مجالات البناء والزراعة والمهن الحرة.

لم تعد مهام أسماء سلطان مقتصرة على الأعمال المنزلية، حيث دفعتها الظروف الاقتصادية في مدينة تل أبيض إلى تعلم مهنة الخياطة لمساعدة زوجها في تحمل مصاريف المنزل. التحقت أسماء بدورة خياطة مجانية في المركز الثقافي الشعبي بمدينة تل أبيض لمدة ثلاثة أشهر، وبعد انتهاء الدورة، قامت بشراء ماكينة خياطة مستعملة وبدأت العمل من منزلها مباشرة. وأشارت إلى أن عملها في الخياطة ساهم في تخفيف الأعباء المعيشية بنسبة تقدر بنحو 40%، حيث يتراوح دخلها الشهري بين مليون و1.5 مليون ليرة سورية، أي ما يعادل ما بين 86 و130 دولارًا أمريكيًا، مما يساعد أسرتها على تغطية جزء من احتياجاتها الأساسية. يذكر أن سعر صرف الدولار الواحد يبلغ حوالي 11500 ليرة سورية في السوق السوداء.

وبعد فقدان زوج حنان سعد الدين من مدينة رأس العين لفرص العمل وتوقفه عن العمل في مجال النقل الداخلي، قامت حنان بافتتاح محل لبيع الألبان والأجبان المصنوعة يدويًا، بهدف إعالة أسرتها والمساهمة في مصاريف المنزل. أوضحت حنان أنها بدأت المشروع بإمكانيات بسيطة، معتمدة على الحليب الذي توفره من مزرعة صغيرة تملكها العائلة، ثم توسعت تدريجيًا بعد إقبال الأهالي على منتجاتها. وأشارت إلى أن المشروع وفر للأسرة مصدر دخل ثابت ساعدهم على تغطية الجزء الأكبر من نفقاتهم المعيشية.

تسعى السيدات والفتيات إلى دعم عائلاتهن ماليًا من خلال الأعمال المنزلية، على الرغم من العقبات الاجتماعية والمشكلات التي يواجهنها في المدينتين، بما في ذلك انتشار ظاهرة زواج الفتيات المبكر. تلعب العادات والتقاليد وطبيعة المنطقة العشائرية دورًا كبيرًا في تشجيع تزويج الفتيات في سن مبكرة، مما يحرمهن من فرص التعليم والعمل.

واقع يفرض المشاركة

تغير واقع الحياة في رأس العين وتل أبيض مع ارتفاع تكاليف المعيشة، ولم تعد المرأة مقتصرة على دورها في العائلة فقط، بل دخلت سوق العمل في مجالات مختلفة لتأمين احتياجات الأسرة وتخفيف الأعباء عن أزواجهن.

أوضحت ابتسام حمادة، الناشطة في مجال المرأة في مدينة تل أبيض، أن حوالي 220 امرأة انخرطن في سوق العمل خلال العام الحالي نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة. وأضافت أن عدد النساء المسجلات في دورات الخياطة و"الكوافيرة" التي تنظمها المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني منذ بداية العام بلغ 190 امرأة، مع توقع زيادة مستمرة في هذا العدد. وذكرت أن واقع الحياة والحصار الاقتصادي فرضا على النساء تحمل مسؤوليات إضافية والمساهمة مع أزواجهن في توفير دخل الأسرة. واعتبرت أن من واجب المؤسسات والمنظمات تقديم الدعم للمشاريع الصغيرة وتوسيع برامج التدريب المهني، بما يتيح للنساء تحسين مهاراتهن والاندماج بشكل فعال في سوق العمل.

من جانبها، أشارت انتصار دودة، مديرة مركز الخدمات الاجتماعية في المجلس المحلي برأس العين، إلى أن المجلس المحلي عمل على تمكين المرأة منذ تأسيسه، حيث تمثل النساء أكثر من 25% من الوظائف الشاغرة في المؤسسات. ويشرف المركز على عدة دورات تهدف إلى تمكين المرأة ودمجها في سوق العمل، بما في ذلك دورات الخياطة وصناعة الأجبان والألبان، بالإضافة إلى برامج تدريبية أخرى. كما يوفر المركز معدات ضمن الإمكانيات المتاحة للنساء اللواتي دخلن سوق العمل، بهدف تسهيل أعمالهن. وأكدت أن واقع المنطقة والظروف الاقتصادية الصعبة فرضا على النساء تحمل مسؤوليات إضافية والمساهمة بشكل أكبر في توفير دخل الأسرة.

تتميز رأس العين وتل أبيض بطابع عشائري مثل معظم مناطق الجزيرة السورية، وتفرض العادات والتقاليد الاجتماعية نفسها بقوة بين السكان. يعمل غالبية السكان في الزراعة وتربية الماشية أو في أعمال يومية، ويبلغ متوسط الأجر اليومي ما بين 80 و100 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 7 إلى 8.5 دولار أمريكي كحد أقصى.

تقع رأس العين وتل أبيض على الحدود التركية وتخضعان لسيطرة الحكومة السورية، وتحيط بهما جبهات القتال مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وتعتبر الحدود التركية منفذهما الوحيد نحو الخارج.

ارتفاع الأسعار يغيّب المؤونة في بيوت برأس العين وتل أبيض
مشاركة المقال: