تُعدّ الألغام المنتشرة في البادية السورية، وخاصةً في ريف حمص الشرقي ومنطقة السخنة، من أبرز التحديات الإنسانية والأمنية التي تواجه السكان منذ سنوات. فمع كل موسم للكمأة أو الرعي، تتجدد المآسي نتيجة انفجار الألغام المزروعة في مساحات واسعة من الصحراء التي شهدت معارك متتالية بين أطراف متعددة خلال سنوات الحرب.
لا تزال البادية، التي تمتد على مساحة تقارب ثلث مساحة سوريا، مليئة بمخلفات الحرب من ألغام وعبوات ناسفة وقذائف غير منفجرة، مما يجعلها من أخطر المناطق على المدنيين، وخاصةً الفلاحين والرعاة والعاملين في جمع الكمأة.
أوضح رائد الحسون، مسؤول عمليات مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري، لمنصة سوريا 24 أن انتشار الألغام في البادية السورية معقد للغاية، مشيرًا إلى أن ذلك يظهر بوضوح من خلال ارتفاع عدد الإصابات والضحايا الناتجين عن انفجار الألغام، سواء خلال موسم الكمأة أو أثناء الرعي أو حتى في أوقات أخرى.
وأضاف الحسون: "المشكلة في البادية السورية أنها شهدت تعاقب عدد من الجيوش وتنقل فصائل متعددة، ودارت فيها معارك كثيرة على مدى سنوات، مما أدى إلى تناثر أنواع مختلفة من الألغام والمخلفات في مناطق واسعة، بعضها غير موثق أو معلوم المواقع بدقة". وأكد أن هذا الواقع يجعل من مهمة تحديد أماكن الألغام أو التنبؤ بوجودها أمرًا شديد الصعوبة، خاصةً في مناطق لم تشهد اشتباكات حديثة، ولكنها تحتوي على مخلفات قديمة من مراحل مختلفة من الصراع.
وحول الجهود المبذولة لتطهير المنطقة، أوضح الحسون أن بعض فرق الهندسة العسكرية قامت بالتعامل مع حقول ألغام محددة في البادية، إلا أن "الوضع لا يزال معقدًا جدًا" بسبب اتساع المساحة الجغرافية وغياب الخرائط الموثوقة التي تحدد مواقع الألغام بدقة. وأشار إلى أن فرقهم "تعمل حاليًا على تنسيق الجهود لإرسال فرق متخصصة للكشف عن الألغام وتحديد مواقع حقولها تمهيدًا لتفكيكها"، موضحًا أن ذلك يتطلب معدات متقدمة ودعمًا لوجستيًا وتقنيًا لا يتوفر دائمًا بالقدر الكافي.
بحسب تقديرات غير رسمية، يُعتقد أن الآلاف من الألغام والعبوات الناسفة لا تزال منتشرة في البادية الممتدة بين ريف حمص الشرقي ودير الزور وصولًا إلى تدمر والسخنة، مما يجعلها من أخطر المناطق في سوريا من حيث كثافة الألغام.
تعد الألغام المزروعة كابوسًا يوميًا للفلاحين وسكان الريف الشرقي، إذ تقيد قدرتهم على الزراعة أو الرعي أو حتى التنقل بأمان بين القرى. كما أن موسم جمع الكمأة، الذي يشكل مصدر رزق أساسيًا لعشرات العائلات، تحول إلى مغامرة محفوفة بالموت، بعد أن فقد كثيرون حياتهم أو أصيبوا أثناء البحث عنها في مناطق ملوثة بالألغام.
ويقول ناشطون محليون إن العديد من الأسر باتت تمتنع عن الذهاب إلى مناطق البادية رغم الحاجة الاقتصادية، فيما يضطر آخرون إلى المجازفة نتيجة غياب البدائل، في ظل الظروف المعيشية القاسية التي تشهدها المنطقة.
ويختتم الحسون حديثه بالتأكيد على أن "التعامل مع الألغام في البادية السورية مسألة إنسانية عاجلة، فكل يوم يمر دون معالجة هذا الملف، يعني مزيدًا من الضحايا الأبرياء"، داعيًا إلى تكاتف الجهود المحلية والدولية لضمان أمن السكان وحماية أرواحهم. ويرى سكان منطقة البادية أن التعامل مع ملف البادية السورية يتطلب دعمًا دوليًا ومنظمًا، إذ إن حجم التلوث بالألغام يتجاوز قدرة الفرق المحلية على معالجته منفردة.
أفاد زاهر السليم، عضو اللجنة المدنية في تدمر، أن منطقة تدمر والبادية السورية شرقي حمص تعد من أكثر المناطق تضررًا من الألغام، حيث تحتوي على ما يقارب 360 ألف لغم. وتقوم الفرقة (42) التابعة لوزارة الدفاع حاليًا بجهود التطهير، إلا أن هذه الألغام أسفرت حتى الآن عن مقتل ثلاث فرق متخصصة في إزالة الألغام في المنطقة.
وأوضح السليم لمنصة سوريا 24 أن التحديات الرئيسية تتمثل في هجرة معظم سكان البادية بسبب الانتشار الواسع للألغام، مما أثر سلبًا على الثروة الحيوانية والمراعي والزراعة بشكل عام. وأضاف أنه تم التواصل مع عدة جمعيات ومنظمات أممية للمساعدة، ولكن "مع الأسف لم تكن سوى وعود دون تنفيذ على أرض الواقع"، مشيرًا إلى أن آخر المنظمات التي عملت في الميدان هي جمعية الشعوب النرويجية والصليب الأحمر الدولي.
وشدد على أن المنطقة في حاجة ماسة إلى آليات متطورة لكشف الألغام وإزالتها (كاسحات ألغام) لمعالجة هذه الكارثة الإنسانية والبيئية. كما يشير الأهالي في المنطقة إلى ضرورة تفعيل حملات توعية للسكان حول مخاطر الألغام وأساليب الوقاية، بالتوازي مع توسيع نطاق عمليات المسح الميداني التي تمهد لمرحلة التطهير الكامل.