السبت, 31 مايو 2025 11:32 AM

سوريا: حمى البحث عن الكنوز تجتاح البلاد في ظل غياب الرقابة وازدهار تجارة أجهزة الكشف عن المعادن

سوريا: حمى البحث عن الكنوز تجتاح البلاد في ظل غياب الرقابة وازدهار تجارة أجهزة الكشف عن المعادن

مع الانهيار الأمني والسياسي الذي أعقب الأزمة في سوريا، يشهد الداخل السوري موجة غير مسبوقة من البحث عن الكنوز المدفونة، في ظاهرة تعيد إلى الواجهة موروثاً طويلاً من الأساطير حول الذهب العثماني وكنوز طريق الحرير.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، فقد انتعشت تجارة أجهزة كشف المعادن بشكل لافت خلال الأشهر الأخيرة، حيث باتت هذه الأجهزة تُعرض علناً في متاجر افتتحت حديثاً في العاصمة دمشق، بأسعار تتراوح بين بضع مئات وحتى عشرة آلاف دولار للجهاز الواحد. وبعضها موجّه للأطفال بألوان زاهية في محاولة لتحويل الهوس إلى نشاط عائلي ترفيهي.

ويقول تجار في دمشق إن الإقبال ازداد بعد أن أصبح شراء الأجهزة متاحاً بسهولة، خاصة في ظل ضعف الرقابة وتغاضي السلطات عن تطبيق القوانين التي لا تزال تجرّم هذا النوع من التنقيب، رغم تأكيد مسؤولين أن الحظر لا يزال سارياً.

ويعزو مراقبون الظاهرة إلى فراغ أمني واسع، جعل التنقيب عن الكنوز نشاطاً مربحاً بديلاً لدى كثيرين وسط انهيار اقتصادي حاد. وقال أحد الباحثين عن الكنوز، يُدعى "أبو وائل": "قضيت 40 سنة أبحث عن الذهب، ولم أجد شيئاً. الناس يطاردون السراب، والتجار يبيعون الوهم".

وتتغذى هذه الحمّى على قصص متوارثة في الأوساط الشعبية، عن كنوز خبأتها قوافل الحج، أو دفنها جنود عثمانيون أثناء انسحابهم من القدس عام 1917، أو حتى مقتنيات من زمن طريق الحرير، يُعتقد أنها مدفونة على طول خط سكة حديد الحجاز.

الباحث السوري في تاريخ الشرق الأوسط عمرو العظم أكّد أن “كل سوري يعرف قريباً أو جاراً يقول إنه وجد جرة ذهب”، موضحاً أن معظم سكان البلاد يعيشون فوق مواقع أثرية محتملة، مما يعزز الإيمان الشعبي بإمكانية العثور على كنوز حقيقية.

ورغم أن كثيراً من المنقبين ينطلقون من قصص متوارثة أو إشاعات محلية، إلا أن العظم حذر من تزايد عمليات الاحتيال، لافتاً إلى أن السوق السورية باتت مليئة بعملات مزيفة تُنسب للعصور الرومانية أو العثمانية، وتُباع بأسعار خيالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

كما أشار العظم إلى تصاعد وتيرة سرقة الآثار من المواقع التاريخية منذ الأزمة، مستشهداً بحالات عرضت عليه شخصياً لقطع أثرية أصلية تم انتشالها من مناطق مختلفة.

وامتدت الظاهرة خارج سوريا، حيث تقدم متاجر في دول مجاورة، من بينها الإمارات، أجهزة مخصصة للتربة البازلتية والصخرية وتتيح الشحن المباشر إلى الداخل السوري، ما يعكس حجم السوق المتنامي في هذا المجال.

وفي ظل تدهور الأوضاع المعيشية وفقدان الثقة بالفرص التقليدية، يبدو أن البحث عن الكنوز تحوّل لدى كثيرين إلى محاولة يائسة للهروب من الواقع، حتى وإن كانت النتيجة غالباً: "لا شيء سوى الخيبة".

مشاركة المقال: