د. جورج جبور:
على مدى ساعة تقريباً، كانت لي ثلاث جلسات في اتحاد الكتاب العرب:
أولها في غرفة فرع القنيطرة. كانت الحفاوة بالغة. تحدثت عن خط غولخانة 1839 والتعليمات للمنادي، ثم عن مشروع دستور 1920 انتهاء بعتب سلام الكواكبي على فارس الخوري إزاء موقفه من علي الطنطاوي.
الجلسة الثانية كانت في مكتب رئيس تحرير جريدة الأسبوع الأدبي. لم يكن رئيس التحرير موجوداً، إذ لم يكن لي موعد محدد معه. تحدثت إلى زميلة وزميل في المكتب عن ظروف انتسابي إلى الاتحاد عام 1971 وطلبي الإحالة إلى التقاعد عام 1996. عُرض عليَّ الانتساب بفضل مقال نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية عن كتاب لي بالإنجليزية، حول الاستعمار الاستيطاني مولت نشره جامعة الخرطوم ونشره مركز الأبحاث الفلسطينية صيف 1970. أما طلبي الإحالة إلى التقاعد عام 1996 فجاء يأساً من قدرة الاتحاد على الدفاع عن رأيه بشأن سرقة تكاد تكون كاملة لبحث لي قام بها قاض عالي الرتبة، إذ هو مستشار استئناف. كانت النتيجة أنني دفعت، بمقتضى حكم قضائي، "شرفية" للقاضي مرتكب السرقة. ما تزال لدي كل أوراق الحادثة. قد أودعها إلى جهة عامة ذات صلة كاتحاد الكتاب أو المعهد القضائي أو المكتبة الوطنية. مع انتهاء حديثي عن ظروف تقاعدي، قدم رئيس التحرير فأعاد لي كتيباً كنت أعرتُه إياه لأنني أحببت أن يطلع عليه. هو عن فكرة أطلقتها عام 1989، في حديثٍ مع مدير عام اليونسكو، بشأن ضرورة احترام نظام الأمم المتحدة عيد الأضحى. في الاتحاد كانت لي عام 1990 محاضرة ذكرت بها "الخبرة" مع مدير عام اليونسكو بشأن الأضحى، فانتقلت الخبرة إلى مصر. حملها إلى مرجعه سفيرها لدى فيينا، د. مصطفى عبد العزيز مرسي. درست مصر الفكرة. جعلتها طلباً رسمياً إلى الأمم المتحدة. استجابت الأمم المتحدة. بعد أسبوعين نسعد بالأضحى. هل سيتذكر الاتحاد دوره الواضح الذي قام به بشأن تحسين تعرف العالم الواسع على أهم مناسبة إسلامية سنوية؟
أما الجلسة الثالثة فكانت في مكتب الرئيس السابق للاتحاد، وقد تحدثت فيها عن عدد مجلة الآداب اللبنانية الخاص بالرقابة على الكتب في سورية، وعن العدد التالي من المجلة وهو تقييمي للعدد السابق. كان ذلك عام 2002. أشرت إلى أن العددين يستحقان أن يُبحثا بالتفصيل رغم مرور وقت طويل على صدورهما، ولا سيما أن الأول منهما تضمن اتهاماً للاتحاد بإجازة مخطوط بعد منعه نتيجة دفع مبلغ من المال، على حد ما أذكر.
لم أشأ أن أختم زيارة الاتحاد إلا بقرع باب مكتب مغلق هو لصديق الزيارتين السابقتين، رئيس تحرير "الموقف الأدبي". خلتُه سيتمثل ببيت شعر قديم إذا عرف أنني زرت الاتحاد ولم أحيه. ألم يقل الشاعر:
تَمُرّونَ الدِيارَ وَلَم تَعوجوا كَلامُكُمو عَلَيَّ إِذَن حَرامُ
أنشدت البيت على مسمع منه، وخرجت مسرعاً فقد حان وقت التوجه إلى موعد آخر في مكان أوتوسترادي بين الاتحاد وبين مكان سكني.
سمعت من بعض محدثيَّ في الجلسات حديثاً، بل أحاديث، عن مستقبل الاتحاد. أحببت الإضاءة على زيارة سُعدت بها إلى الاتحاد تضمنت نُبذاً عن تجربتي فيه، تجربة تستمر خصبة مفيدة إن شاء الله. الاتحاد معلم هام من معالم سورية الثقافة، يستحق أن يكون موضع نظر منصف له ومتعاطف معه، في ضعفه وفي قوته.
صباح الثلاثاء 20 أيار 2025. (أخبار سوريا الوطن-١)