في خطوة جديدة تعكس استمرار مسار التطبيع بين الرباط وتل أبيب، صادقت الحكومة الإسرائيلية، يوم الخميس، على اتفاقية ثنائية مع المملكة المغربية في مجال النقل البحري، كان قد تم التوقيع عليها في العاصمة الرباط بتاريخ 29 مايو 2023، وذلك في سياق تعزيز التعاون الثنائي الذي انطلق منذ استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في أواخر عام 2020.
وتأتي هذه المصادقة في ظل موجة من الغضب والاحتجاجات الواسعة داخل المغرب، حيث شهدت مدينة طنجة مؤخرًا تظاهرة حاشدة شارك فيها المئات قرب الميناء المتوسطي، احتجاجًا على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ورفضًا لتنامي مظاهر التعاون الاقتصادي والعسكري معها، خصوصًا في وقت تتصاعد فيه جرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة، وسط إدانات حقوقية ودولية متكررة لما وُصف بأنه حرب إبادة ضد المدنيين الفلسطينيين.
وتهدف هذه الاتفاقية إلى وضع إطار قانوني وتنظيمي لتطوير أنشطة النقل البحري بين المغرب وإسرائيل، استنادًا إلى "مبادئ حرية الملاحة والمنافسة العادلة، مع احترام السيادة الوطنية للطرفين". وتشمل الاتفاقية جوانب متعددة كالسلامة البحرية، والدخول إلى الموانئ، والنظام الجبائي، وتسوية النزاعات، وتحديد الرسوم والتعريفات الخاصة بالخدمات البحرية.
من بين البنود البارزة التي تتضمنها الاتفاقية، الاعتراف المتبادل بوثائق السفن والشهادات البحرية الصادرة عن الهيئات المختصة في كلا البلدين، وهو ما يُتوقع أن يسهم في تسهيل حركة الأساطيل التجارية وتعزيز التنسيق بين سلطات الملاحة. كما تنص على ضمان معاملة متكافئة للسفن وشركات الشحن من كلا الطرفين، دون تمييز أو عراقيل.
اقتصاديًا، تسمح الاتفاقية باستخدام العائدات المتأتية من الأنشطة البحرية في "أراضي أحد البلدين" لإجراء المدفوعات أو تحويل الأموال، وفقًا "لقوانين الصرف الأجنبي الوطنية، "ما يعكس بُعدًا عمليًا في تشجيع الاستثمارات والشراكات في القطاع البحري.
وتُولي الوثيقة أهمية خاصة للتعاون في حالات الطوارئ، من خلال تقديم الدعم المتبادل للسفن المتضررة أو التي تتعرض لخطر في أعالي البحار، عبر التنسيق بين موانئ البلدين وأجهزتهما المختصة بسلامة الملاحة والإنقاذ البحري.
كما تسمح الاتفاقية بإنشاء مكاتب تمثيلية لشركات الشحن في أراضي الدولة الأخرى، بما يمكّن الشركات الإسرائيلية من العمل في السوق المغربي، والعكس، وهو ما أثار انتقادات من فعاليات مدنية مغربية اعتبرت هذه التسهيلات خطوة لتكريس الوجود الاقتصادي الإسرائيلي في المغرب على حساب القضية الفلسطينية.
وضمن آليات التفعيل والمتابعة، تنص الاتفاقية على تشكيل لجنة بحرية مشتركة تتولى الإشراف على تطبيق أحكام الاتفاق، ومناقشة المستجدات المتعلقة بقطاع النقل البحري، والعمل على حل أي إشكالات قد تنشأ في هذا السياق.
ويأتي هذا التطور في وقت تُواجَه فيه العلاقات المغربية الإسرائيلية بانتقادات واسعة من منظمات مدنية وأحزاب سياسية مغربية، ترى أن المضي قدمًا في الاتفاقيات الثنائية مع تل أبيب يُعد "تواطؤًا" مع سياسات الاحتلال، لا سيما في ظل استمرار الهجمات الدموية على غزة وارتفاع عدد الضحايا المدنيين بشكل يومي.
ورغم هذه المعارضة الشعبية الواسعة، يواصل البلدان توقيع اتفاقيات ثنائية تغطي قطاعات متعددة، أبرزها الاقتصاد، التكنولوجيا، الأمن الغذائي، الطيران، والتدريب المهني، في سياق استراتيجية تطبيع متسارعة تُثير الكثير من الجدل داخل المغرب وخارجه.