الأربعاء, 22 أكتوبر 2025 04:51 PM

تصاعد التوترات بين «تحرير الشام» والفصائل: هل تتجه سوريا نحو سيناريو أمني مشابه لليبيا؟

تصاعد التوترات بين «تحرير الشام» والفصائل: هل تتجه سوريا نحو سيناريو أمني مشابه لليبيا؟

يثير عدد من القضايا الأمنية الأخيرة في سوريا شكوكًا متزايدة حول "التركيبة الأمنية" التي بنتها السلطات الانتقالية، في محاولة لفرض سيطرتها على البلاد. هذه التركيبة تجمع بين هيكلية فصائلية تعتمد على ولاء العناصر لقادتهم، وأخرى مركزية تعمل بشكل منفرد وتسعى لبناء تحالفات مع قوى إقليمية ودولية، مما يخلق مشهدًا معقدًا بين المستويين الفصائلي والمركزي، ويهيئ الأرض لأزمات متلاحقة.

تُعد هذه الهيكلية تطويراً لتلك التي أنشأتها «هيئة تحرير الشام» في إدلب خلال فترة سيطرتها على المحافظة. كانت آنذاك مناسبة لإدارة المحافظة في زمن الحرب، حيث تمكنت «الهيئة» من ضم عشرات الفصائل تحت جناحها، لتشكيل جبهة موحدة أتاحت لها إدارة إدلب وضبط الأوضاع الداخلية فيها، وتحويل نفسها إلى "قوة ضاربة" في الشمال السوري، مع هامش واسع لإنهاء أي فصيل يرفض الانخراط في بنيتها التنظيمية.

بخلاف تلك المرحلة، التي كانت تقتسم فيها الفصائل "الغنائم"، تُطرح اليوم شكوك حول إمكانية نجاح هذه التجربة ضمن مساحة أوسع (سوريا ككل). الظروف الراهنة مختلفة، خاصة في ظل غياب الحرب، وتمسك واشنطن بالحوار لحل قضية الأكراد (ملف الإدارة الذاتية و«قسد»)، وتأمين إسرائيل "مظلة حماية" للدروز في السويداء، وعدم وجود جبهات قتال داخلية أخرى، إلى جانب تمسك السلطة الانتقالية ببناء نظام اقتصادي وسياسي وأمني مركزي، لا يمنح الفصائل هامش الحركة أو الامتيازات التي كانت تتمتع بها في إدلب.

إلى جانب ذلك، تبرز معضلة الفصائل الأجنبية التي شكلت سابقًا القوة الضاربة لـ«تحرير الشام» في إدلب. تواجه محاولة السلطات الانتقالية ضبط هذه الفصائل، سواء عن طريق حلها أو تنظيمها ضمن هيكلية وزارة الدفاع، عقبات عديدة، آخرها ظهور أصوات ترفض سلوك تلك السلطات في كل مرة يتعرض فيها عنصر أجنبي للاعتقال، وهو ما يتجلى في انتشار تسجيلات تثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.

تفجرت آخر الأزمات بعد اعتقال المقاتل الإيغوري الشهير «أبو دجانة التركستاني»، الذي ينشط على «تيك توك»، مما أثار موجة احتجاج في أوساط الإيغور، الذين يصفون أنفسهم بـ«المهاجرين»، وخلق فجوة بين هؤلاء والفصائل المحلية التي يطلق عليها «الأنصار». وهي فجوة مرشحة للاتساع في حال نجحت مساعي دمج «قسد» في هيكلية وزارة الدفاع، نظرًا إلى أن كلا الطرفين (قسد والمقاتلون الأجانب) أعداء لبعضهما.

كذلك، شكلت العملية الأمنية المشتركة بين «التحالف الدولي» والسلطات الانتقالية في معضمية القلمون المحاذية للضمير، في ريف دمشق، شرارة أزمة جديدة. فقد تم القبض، في أثناء العملية، على خالد المسعود وشخصين آخرين بتهمة الانتماء إلى تنظيم «داعش»، قبل أن ينتشر نبأ مقتل المسعود، بعد يوم واحد من التحقيق معه، وسط تسريب أنباء عن براءته من التهم التي وجهت إليه، مما أشعل احتجاجات في أوساط مقاتلين عشائريين موالين له (من عشيرة العنزي).

يقول أنصار المسعود، إن الأخير كان قد انشق عن التنظيم وأصبح من وجهاء المنطقة، وسط اتهامات لقياديين في «جيش سوريا الحرة» (الفصيل الذي أنشأته الولايات المتحدة وينشط في التنف وله وجود وازن في ريف دمشق، ويعمل تحت مظلة «وزارة الداخلية» شكلياً) بكتابة تقارير كيدية تسببت باعتقاله ومقتله، خلال العملية التي تخللها إنزال جوي لـ«التحالف».

وهكذا، يعكس المشهد الحالي في سوريا شبكة متداخلة من البؤر الجاهزة للاشتعال داخل مناطق سيطرة السلطات الانتقالية، سواء في الشمال الغربي حيث تتمركز الفصائل الأجنبية، أو حتى داخل المدن الرئيسة حيث تتقاسم «هيئة تحرير الشام» وفصائل أخرى كانت تنشط في ريف حلب الشمالي السيطرة، وتعمل بشكل منفرد تظهر آثاره عن طريق الاستيلاء على أملاك وفرض أتاوات، أو في المنطقة الوسطى والجنوبية، حيث تتداخل القوى العشائرية والفصائلية، و«جيش سوريا الحرة» الذي تقوده أميركا، أو حتى في الشمال الشرقي، حيث تسيطر تركيا على عدد من الجماعات التي لا تزال تعمل ضمن هيكلية «الجيش الوطني»، وتنتشر على طول خطوط التماس مع «قسد»، وليس انتهاءً بأقصى الجنوب السوري، الذي تتداخل فيه الحال العشائرية بالفصائلية.

يعني ذلك فعلياً غياب أي هيكلية واضحة لمؤسسات الدولة، ووجود تناحر غير معلن فصائلي – عشائري، إقليمي ودولي، يؤسس لاستمرار الهشاشة الأمنية المركزية، ويقترب أكثر فأكثر من الحال التي تعيشها طرابلس الليبية، حيث تسيطر «حكومة الوحدة الوطنية»، والتي تعيش منذ تأسيسها واقعاً أمنياً مزرياً، وهي النقطة التي حذر منها المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، غير بيدرسن، أخيراً.

مشاركة المقال: