الجمعة, 10 أكتوبر 2025 09:12 PM

الكشف عن الدوافع الحقيقية وراء مبادرة ترامب بشأن غزة وإسرائيل

الكشف عن الدوافع الحقيقية وراء مبادرة ترامب بشأن غزة وإسرائيل

كتب محمد خير الوادي: الجهود التي بذلها الرئيس ترامب مشكورة، من أجل التوصل إلى اتفاق شامل ينهي ما وصفه بـ"المجزرة" التي ترتكبها إسرائيل في غزة، ويفتح نافذة أمل نحو السلام واستعادة الحياة الطبيعية هناك.

يثار تساؤل فوري: ما الأسباب التي دفعت ترامب لبذل جهود استثنائية وغير مسبوقة لإنجاز اتفاق غزة؟ مع الإشارة إلى أن تلك الجهود وصلت إلى حد مشاركة ممثلي الرئيس الأمريكي في اجتماع الحكومة الإسرائيلية الذي أقر الاتفاق المذكور.

الاعتقاد بأن تفسير الأمر يقتصر على رغبة الرئيس ترامب في الظهور بمظهر صانع سلام والسعي لنيل جائزة نوبل للسلام، هو تفسير قاصر ولا يشفي الغليل.

هناك أسباب أعمق، في طليعتها إدراك الرئيس الأمريكي أن تعنت نتنياهو وصلفه قد وضعا إسرائيل في طريق زلق وخطر قد يودي بها إلى الهاوية. فلأول مرة منذ تأسيسها، وجدت إسرائيل نفسها في عزلة دولية خانقة، تجلت في المظاهرات التي اجتاحت مدن العالم تنديدًا بالمجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة، والمرة الأولى التي تندد فيها معظم حكومات العالم بهذه المجازر.

هناك أمر لم يحدث سابقًا، وهو اتساع حملات الغضب التي اجتاحت الإعلام العالمي من إسرائيل وممارساتها. يضاف إلى ذلك تشكيل أساطيل شعبية عالمية حاولت كسر الحصار الإسرائيلي، انتهت باعتقال إسرائيل لمئات من المشاركين والتنكيل بهم، وهو أمر جعل صورة الكيان الصهيوني في العالم أكثر قتامة وسوداوية. وقد توجت تلك العزلة بخطوة بليغة تمثلت في انسحاب معظم مندوبي العالم من قاعة الأمم المتحدة قبيل إلقاء نتنياهو خطابًا هناك. لقد بدا رئيس الوزراء الإسرائيلي في تلك اللحظة وحيدًا بائسًا معزولًا ومدانًا.

تلك اللحظة المأساوية أثارت هلع الرئيس الأمريكي وقلقه من المستقبل الغامض الذي ينتظر إسرائيل، ودفعته لمد يد العون لها. بكلمات أخرى، الخوف على إسرائيل هو الذي دفع الرئيس ترامب للتحرك فورًا من أجل إنقاذ إسرائيل من نفسها وتهور حكومتها ومن عزلتها الدولية.

سبب آخر لتحرك ترامب السريع هو أن صمت الغرب على الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة قد صدّع قيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان التي استخدمها الغرب لجذب شعوب العالم. لقد عرّى تأييد الغرب، لا سيما في بداية أزمة غزة، لسياسة الابادة والتهجير التي مارستها حكومة نتنياهو، ازدواجية المعايير التي يستخدمها الغرب في الترويج لقيمه أمام شعوب العالم. وهذه الازدواجية لم تتسبب في نفور معظم شعوب العالم من السلوك غير الأخلاقي وغير الإنساني لمواقف الدول الغربية فحسب، بل أشعلت كذلك غضبًا عارمًا داخل الدول الغربية على سلوك تلك الدول وتواطئها مع إسرائيل. وقد انفجر هذا الغضب على هيئة مظاهرات شعبية عارمة أثارت الخوف والقلق لدى الحكومات الغربية ذاتها.

باختصار، تحرك ترامب الحاسم فرضته الحاجة لإنقاذ القيم الغربية من المأزق الخطير الذي سببته سياسة نتنياهو للغرب ولقيمه.

سبب آخر حفز الرئيس ترامب على التحرك السريع لوقف انفلات نتنياهو، وهو أن الرئيس ترامب كان قد بدأ، خلال فترة رئاسته الأولى، تحركًا لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية. وقد أثمر ذلك التحرك عن التوقيع على المعاهدات الإبراهيمية التي فتحت أبواب التعاون بين دول عربية والكيان الصهيوني. وأعلنت إدارة ترامب أنها ستبدأ تحركًا جديدًا لتوسيع تلك الاتفاقات. لكن تفاقم الوضع في غزة أقنع الرئيس الأمريكي أن سياسة نتنياهو الهوجاء باتت تعرقل خطط واشنطن لتوسيع الاتفاقات الإبراهيمية، وتحرج الدول العربية التي أبرمت سابقًا اتفاقات تطبيع مع إسرائيل، بل إن استمرار العدوان على غزة سيضع تلك الاتفاقات كلها في مهب الريح. وبالتالي فإن حدوث ذلك سيعرض للخطر أكبر إنجاز تباهى به ترامب. هذا العامل فرض على ترامب ضرورة التحرك لإنقاذ تلك الاتفاقات.

في النهاية، الخوف على إسرائيل والحرص على إخراجها من عزلتها الدولية الخانقة، وإنقاذ قيم الغرب، وإزالة العراقيل من طريق التطبيع المستقبلي بين إسرائيل والعرب، هي التي دفعت الرئيس ترامب للتحرك السريع ووضع ثقله كله من أجل إيقاف الحرب على غزة وإنقاذ إسرائيل. وهذا يعني أن مواقف الرئيس ترامب المؤيدة لإسرائيل لن تتغير أو تخف، وأن مجرد الافتراض بتراجع الدعم الأمريكي لإسرائيل هو رهان خاسر. (أخبار سوريا الوطن1-الوادي للدراسات الأسيوية)

مشاركة المقال: