الجمعة, 10 أكتوبر 2025 05:13 PM

ما بعد الحرب في غزة: تحديات المقاومة الفلسطينية وسيناريوهات المرحلة المقبلة

ما بعد الحرب في غزة: تحديات المقاومة الفلسطينية وسيناريوهات المرحلة المقبلة

إلى متى سيستمر الجدل حول أحداث غزة وفلسطين منذ عامين؟ يبقى السؤال الأهم: من المنتصر ومن المهزوم؟ لا جدوى من النقاش العقيم مع من يزعم أن إسرائيل حققت أهدافها، فهم يقيسون الأمور بالنتائج المباشرة، حتى لو زوّروا الحقائق. بالنسبة لهم، القدرة تكمن في تحمل الأذى الذي يلحقه الخصم، لا في التضحيات من أجل التحرر من الاحتلال والاستعمار.

هؤلاء، كأي شخص يخشى خسارة ماله ووقته ورفاهيته واستقراره، يرون أن إسرائيل قتلت أكثر من 75 ألف فلسطيني، ودمرت 85% من المنشآت المدنية في القطاع، وتسببت في آلام أكثر من 150 ألف مصاب، وتركت عشرات الآلاف من الأيتام والمعوزين. لذلك، يعتبرون إسرائيل منتصرة، وهو منطق سائد منذ بداية الصراع.

في لبنان، شهدنا مقاربة مماثلة، حيث اعتبر البعض أن انتصار إسرائيل تمثل في قتل قادة المقاومة وأكثر من خمسة آلاف مقاتل ومدني، وتدمير عشرات آلاف المنشآت، وانتزاع حق العمل بحرية ضد أي تهديد في لبنان.

لكن، هل يفكر هؤلاء للحظة في السؤال: ما الذي أرادت إسرائيل تحقيقه من هذه الحرب، وما الذي حققته فعلياً؟ سيكون من المعجزات أن نسمعهم يناقشون ما حققته إسرائيل بالفعل. لذلك، النقاش معهم يصبح عبثياً.

في المقابل، ستواجه المقاومة في غزة وأنصارها تحدياً كبيراً في تقديم سردية متكاملة للأحداث، ليس فقط لمنع تزوير التاريخ، بل كأساس للتصرف في المرحلة المقبلة. سؤال اليوم التالي فلسطينياً مطروح الآن، وهناك استعدادات من قبل الأميركيين والإسرائيليين وأعداء المقاومة من العرب والمسلمين لفتح جبهة جديدة ضد المقاومة في فلسطين، وإطلاق حملة سياسية وإعلامية لتحميل المقاومة المسؤولية عن كل ما حصل.

الهدف ليس تحميل قوى المقاومة المسؤولية فقط، بل عزلها وإقصائها، تمهيداً لبناء سلطة جديدة تعتبر المقاومة فعلاً مجنوناً، وأن المستقبل الفلسطيني يجب أن يتبع سياسات الإقرار بالقوة القادرة، وهو ما يبرر تخاذلهم وخضوعهم للسياسات الأميركية.

لذا، يجب الاستعداد لمواجهة لا تقل قساوة عن الحرب العسكرية. جرائم العدو لن تتوقف، ولا يوجد ما يمنعه من مواصلة القتل والتدمير، كما يفعل في لبنان وسوريا، وسيجد حلفاء يحمّلون المقاومة مسؤولية كل ما قد يحصل، كما يفعلون في لبنان، حيث يعتبرون أن جرائم العدو سببها تمسك المقاومة بموقفها وسلاحها.

أعداء المقاومة سيستكملون حربهم لتحميلها المسؤولية عن الحرب، والسعي لفرض سلطة تخدم الاحتلال. وفقاً للتسريبات، تنتظر أميركا وإسرائيل برنامجاً يقوده حلف عربي – إسلامي مرتبط بقوى المقاومة في فلسطين، لإنجاز مهمة تدمير بنية حماس العسكرية والضغط عليها لتعديل مشروعها السياسي، وربما شق صفوفها. ستستخدم كل أنواع الأسلحة، لكن العامل الأساسي هو تأليب الرأي العام الفلسطيني، خاصة في غزة، ضد المقاومة، وتوسيع دائرة المعارضين لحركة حماس، أو العصابات التي تتاجر بحاجات الناس.

سنسمع عن برامج مساعدات مشروطة بعدم وجود أي علاقة لحماس في إدارتها، وأن يتولاها أشخاص أو جهات لا تخضع لتأثير حماس أو قوى المقاومة. العصابات التي شكلتها إسرائيل بواسطة عملاء ومرتزقة قد تتعزز، والخطير هو أن العدو يمد هؤلاء بالسلاح ويحرضهم على فرض الوقائع بالقوة، مع وعد بالمساعدة الأمنية والعسكرية عند الحاجة، ما يعني أن إسرائيل ستحيد كل من تعتبره هذه العصابات عقبة أمام انتشارها.

هناك برنامج عمل يعده المعادون للمقاومة من الفلسطينيين والعرب، لحملة شيطنة للمقاومة، وجعلها مسؤولة عن كل ما حصل، بهدف إرباك الوضع الفلسطيني في غزة، ومحو أي أثر لعملية «طوفان الأقصى»، وتحويل المقاومين إلى مجرمين غامروا بحياة الشعب الفلسطيني، مع اتهام إيران وحزب الله بالوقوف خلفهم.

قيادة قوى المقاومة في غزة، وخاصة حماس، تعيش في هذه الأجواء، وهي على بيّنة من الأمر. الاتصالات التي جرت معها قبل العدوان على الدوحة وبعده، أتاحت لها أخذ فكرة عن الضغوط المرتقبة عليها، والتي تعاظمت بعد غارة الدوحة، ثم أخذت شكلاً أكثر إزعاجاً بعد لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع قادة ومسؤولين عرب ومسلمين في نيويورك، حيث طرح خطته. مسؤولون في تركيا ومصر وقطر أبلغوا قيادة حماس بأن الخطة التي أعلن عنها ترامب بعد اجتماعه مع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، فيها تغييرات جدية على الخطة التي وافقوا عليها في لقاء نيويورك.

ومع ذلك، مارست هذه الدول الضغط على حماس وقوى المقاومة للقبول بالمشروع والسير به، حتى ولو أرفقت الموافقة بملاحظات وطلبات. حتى الجانب الأميركي لم يكن مهتماً بأي ملاحظات تضعها حماس، وقال ترامب إنه يريد أن يسمع «نعم» من حماس، ولا يهم إن أضافت حماس كلمة «ولكن» على كلمة «نعم»، كونه قرر أخذ الكلمة الأولى، وفتح الباب أمام نقاش قد لا ينتهي حول ملاحظات حماس.

عملياً، حصل ما حصل. والكل يعرف أن حماس التي وافقت على الخطة، إنما وافقت على جزء منها. لكنها حصلت في المقابل، على إقرار أميركي – أوروبي – إسرائيلي – عربي، بفشل أبرز أهداف العدوان، وهو تهجير أبناء غزة، كما انتزعت حق التمسك بالأرض، وعدم الإبعاد، وإتاحة المجال أمام برنامج استعادة الحياة، ولو أخذ ذلك وقتاً طويلاً.

عملياً، بقي على قوى المقاومة أن تُعد برنامجها الخاص، البعيد من المطالب والأحلام الموجودة لدى كل أعدائها. وأن تنجح في صياغة آلية عمل سياسية وإدارية وأمنية لإدارة القطاع في المرحلة المقبلة. وأن يكون هناك فرصة أمام الناس لاستعادة جزء من حياتهم الطبيعية، وأن يُتاح لهم الحصول على ما يساعدهم على البقاء…

المهم، ولو قال الأعداء كل ما يقولونه، إن العالم كله، بقيادة أميركا، يعرف أن الحرب لم تنتهِ (بفضلها الحالي) من دون اتفاق مع حماس، وأن مطلب الاستسلام، ظلّ وهماً وسيبقى كذلك ما دام الاحتلال موجوداً. إسرائيل لم تنتصر في غزة!

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: