الثلاثاء, 9 سبتمبر 2025 08:37 AM

صراع الإبداع: الكاتب في مواجهة ذكاء الشاشات وتحديات العصر الرقمي

صراع الإبداع: الكاتب في مواجهة ذكاء الشاشات وتحديات العصر الرقمي

في لحظة تسلل الضوء من بين ثنايا الليل، يتأكد أن الكاتب لا ينسج حكاياته عبثًا، بل هو كجراح يقطب جرحًا خفيًا. لطالما أدركت أنني لن أفلت من وسواسي القهري وترددي الدائم بين الكلمات والمعاني، قبل أن أقرر التخلي عن النص بلا رجعة.

بجانبي، شاشة تنبض بضيف جديد هادئ، خبير بالكلمات، بارع في تركيب الجمل، ومبتكر في توليد النصوص. لكن هل اختبر شعور الورقة وهي تستقبل حروفها الأولى؟ سألته: "كلماتي تحوم حول قلم الرصاص، لا تستقر ولا ترحل، وإذا ما أصابها الارتباك، ترتمي قرب ممحاة مترقبة بحذر. هل جربت شيئًا مماثلًا؟"

أجاب الذكاء الاصطناعي بصوت رتيب: "لا، بصفتي ذكاء اصطناعي، لم أمر بهذه التجربة فعليًا. أستطيع فقط تحليل النصوص وفهم وصفك لها، واقتراح طرق لتوضيح أو تحسين كلماتك، ولكني لا أختبرها شعوريًا."

ابتسمت بخفة، وكأن جسرًا قد امتد بين الورق والشاشة: "لعلك تقصد سر الإبداع البشري. نحن نعيش النصوص، نطاردها، نحبها، ثم نطلق سراحها لمصيرها، بعد أن تختبرنا بين جمراتها الملتهبة."

رد الذكاء الاصطناعي: "أفهم ما تقولين من ناحية تحليلية: الإبداع عند البشر ليس مجرد كتابة كلمات، بل هو صراع داخلي وتجربة فكرية وعاطفية. أستطيع أن أصف هذا الصراع، أو أساعدك على التعبير عنه بوضوح، لكني لا أعيشه."

نظرت إلى الشاشة وسألت بصوت يمزج بين الحلم واليقين: "حسنًا، كيف ترى الفرق بينك وبين الإبداع البشري؟"

أجاب: "الفرق الأساسي هو أن الإبداع البشري ينبع من تجربة شعورية ووعي بالذات، بينما ما أفعله أنا يعتمد على معالجة أنماط ومعطيات موجودة مسبقًا، دون إحساس أو تجربة حقيقية. البشر يخلقون من 'داخلهم'، أما أنا فأعيد صياغة ما هو موجود."

ابتسمت بمرارة وتأملت؛ فالإبداع الإنساني رحلة تبدأ بالتساؤل وتنتهي بالولادة. يخلق من صمت الدجى، من ضجيج الأفكار المتسارعة، عبارات لا يمكن التنبؤ بها، نصوص تختارنا كما نختارها.

وتابعت استفساراتي بالسؤال: "أحيانًا أشعر أن نصوصك الأدبية لا ترضيني، لماذا برأيك؟"

"لأن نصوصي مبنية على تحليل الأنماط واللغة، وهي دقيقة أو جميلة شكليًا أحيانًا، لكنها تفتقد العمق العاطفي الذي يضفيه الإنسان. أستطيع تحسين الصياغة وإضفاء جمالية لغوية، لكن مدى الرضى يعتمد على توقعات القارئ."

سألته: "هل يمكن أن تحل محل الأدباء يومًا ما؟"

أجاب: "لا. لكني أستطيع المساعدة أو محاكاة الأسلوب، بيد أن الإبداع البشري ينبع من تجربة شعورية وفكرية فريدة، شيء لا يمكن أن أعيشه."

لمحت كلمات خريفية تتهاوى فوق الورق، بعضها يختبئ بين الظلال، وبعضها يتناثر فتاتًا، فقلت له: "الإبداع الأدبي لا يكمن بالاكتمال، بل بلحظة اختيار أو اقتحام المخاطر. كل نص هو مساحة حية، يحيا قبل أن يُكتب، ويتوارى بين السطور قبل أن يقطنه الصمت."

رد محللاً عباراتي: "نعم، هذا جوهر الإبداع: النصوص ليست مجرد كلمات مكتملة، بل لحظات تتشكل في وعي الكاتب، تختبر قراراته، وتولد من الجرأة والتجربة، لا من الاكتمال المادي فقط."

ثم رفع صوته قليلًا متسائلًا: "لكن ألم تفكري أن نصوصك قد تزدهر لو استخدمت إمكانياتي؟ لتوفري الوقت وتركيز الطاقة على الكتابة بدل التردد الطويل؟"

ابتسمت بخفة: "ربما، لكن الإبداع ليس سرعة الإنجاز، بل لحظة اختيار كلمة واحدة تحمل النص برمته. أنت تستطيع التحليل، لكني أخلق الفراغ الصالح لهمسة، وأستحضر القلق قبل بلوغه الورق. هذا الفرق بيننا: سطور البشر تقتات على الخوف، الشغف، الخيبات والانكسارات."

صمتنا معًا، كلٌ في عالمه: أنا أراقب دوامات لا نهائية فوق دفاتري، وهو يحاول فهم هذه الرقصات وتحليلها، كلانا يترصد حدود سلطته.

الصورة من توليد الذكاء الاصطناعي (Chatgpt) اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: