دمشق – فرح الأتاسي
ترى فرح الأتاسي أن تصريحها قد يبدو مفاجئاً، لكنها، على عكس غالبية السوريين الأمريكيين في واشنطن، لم تشعر بالارتياح تجاه ما وصفته بـ "المحبة الفائضة" التي نزلت بسرعة على سوريا من أمريكا. وتؤكد أن هذه المحبة ليست مجانية، وثمنها قد يكون أكبر مما تستطيع سوريا دفعه.
منذ وصولها إلى سوريا قبل شهرين، وفي لقاءاتها مع مسؤولين وصناع القرار في مختلف الدوائر السياسية والاقتصادية والعسكرية والفكرية في دمشق، حذرت الأتاسي من التراخي أمام عملية "التخدير" الدولي التي تجري، وحقن "أبر الخداع السياسي" في مفاصل الدولة السورية الجديدة. كما حذرت من تصديق التصريحات الجميلة التي تصدر عن الأمريكيين والأوروبيين وغيرهم حول القيادة والدولة الجديدة والرئيس الشرعي وعلاقات سوريا مع جيرانها.
من خلال تجربتها السياسية الطويلة في واشنطن لأكثر من ٢٥ عاماً، ترى الأتاسي أن على صناع القرار في الشرق الأوسط أن يبقوا أعينهم مفتوحة على ما يدور وراء الكواليس، وأن يبحثوا عن ما وراء السطور في التصريحات الرسمية الغربية والأمريكية. وتنصح بالحذر من "العسل المدسوس بالسم"، وعدم تصديق كل ما يسمعونه أو يرونه، بل محاولة التفكير خارج الصندوق، وأن يكونوا حذرين في رد الفعل، وجاهزين دائماً بخطة طوارئ.
تؤكد الأتاسي أنه لا توجد أعراف في السياسة ولا منطق ولا صدق ولا ثبات، بل كذب ودهاء ومكر واصطياد للهواة وأصحاب النوايا الحسنة. ويجب على صناع القرار السياسي والأمني في سوريا أن يفكروا استراتيجياً بمنطق المعارك، لأن الحرب لم تنته بعد، لا داخلياً ولا إقليمياً ولا دولياً. وتنصح بأن يحيطوا أنفسهم بدهاة السياسة الحقيقيين والاستراتيجيين والأمن والدبلوماسيين المخضرمين ورجال الأعمال والمستشارين السوريين الذين لهم شبكات علاقات دولية عالمية ويحظون بالمصداقية والاحترام ويعرفون دهاليز السياسات الأمريكية والدولية، وخبراء في ملف الصراع العربي-السوري-الإسرائيلي.
وتضيف أن العلاقات الدولية والسياسية ليست بهذه البساطة، بل هي كتلة شائكة من المصالح المتشابكة والمواقف المتناقضة والتوازنات شبه المستحيلة. والسياسة لا تخلو من عنصر المفاجأة، وهي مثل الحرب تماماً، يكون فيها كر وفر، وربح وخسارة.
وتشدد الأتاسي على أن الطائفية مقبرة الأوطان، وأن المجازر والانتهاكات التي حصلت في السويداء مدانة بكل المقاييس السياسية والاجتماعية والأخلاقية. مع الرحمة لأرواح كل الشهداء والمدنيين والأبرياء. وترى أن هذه الفتنة يتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى رجل أحمق وعنيد لا يفقه بالسياسة شيئاً يتم استغلاله لأجندات غير سورية، ويجر طائفته للخراب وسوريا للفوضى! كما أن السوشال ميديا والمعلومات المضللة والتجييش والتحريض أخطر على السوريين من الهجري والنتن ياهو وهلوسات وئام كذاب وهاب وفلول النظام.
وتؤكد أن قوة الدولة تستند على تحصين وتمتين الجبهة الداخلية والقضاء على التحريض الطائفي والفتن ووأدها في مهدها كي لا تتكرر، وإخماد الحرائق قبل أن تتسع رقعتها على الجغرافيا السورية ويصعب السيطرة عليها. وترى أن هذا الاختبار ليس للقيادة الجديدة في دمشق وحسب، وإنما امتحان لشعب الثورة ولكل السوريين. وتضيف أن الحل لن ولا يجب أن يأتي من الخارج، فكلام ووعود وتصريحات الخارج أحياناً لا تأثير لها ومثل الكتابة بالحبر على الماء! ولا ضامن لسوريا إلا وحدة شعبها والحوار الشامل والصريح، وبناء مؤسسات حكم حقيقية تستند على الخبرة والكفاءة وتطبيق العدالة الانتقالية، وتوسيع دائرة النصح والمشورة وصناعة القرار من أهل الاختصاص حول السلطة، والمشاركة الوطنية الكاملة، والتضامن الشعبي بوجه كل هذه المخاطر، فالشعب السوري بكافة طوائفه وأعراقه ودياناته يعوم على زورق واحد في بحر متلاطم من المخاطر والتحديات فإما أن نلتف وراء دولتنا الجديدة ونكون حكماء ووطنيين وعقلاء كي ننجو جميعاً أو نغرق جميعاً .. لا خيار ثالث.
وتختتم الأتاسي قائلة: "لا تخافوا .. سوريا مر عليها الكثير وبقيت وستبقى.. ولن تنكسر وستنتصر✌🏻"