عقود طويلة أُجبر السوري على التكيّف مع القمع، والتعايش مع الخوف، والتفنن في الصبر. تعلّم كيف ينجو لا كيف يبني، وكيف يُخفي رأيه لا كيف يعبر عنه، وكيف يرضى بالقليل لا كيف يطالب بما يستحق. هكذا صيغ الإنسان في جمهورية الخوف: مروّضاً، حذراً، قابلاً لكل شيء ما دام يُبقيه بعيداً عن السجون والحرمان. لكن هذا النموذج انتهى.
اليوم تُفتح الأبواب لتجربة إنسانية جديدة عنوانها: المبادرة. الإنسان السوري الجديد ليس ذلك الذي يطلب الإذن بل الذي يبادر، يقترح، يشارك، ويصنع مستقبله بنفسه. هو من يتحرر من عقدة الخوف المتوارثة ويتحمل مسؤولية وطنه كما يتحمل مسؤولية أسرته وعمله.
لكن لكي يظهر هذا الإنسان الجديد نحتاج إلى بيئة تسمح بالتجريب، تتسع للفشل كما تتسع للنجاح، وتشجّع على التفكير لا التلقين، وعلى النقد لا التكرار. المدرسة يجب أن تعلّم العقل لا الطاعة. الجامعة يجب أن تنتج أفكاراً لا نسخاً مكررة. المؤسسات يجب أن تدار بالكفاءة لا بالولاء. والإعلام يجب أن يعكس الحقيقة لا الخوف منها.
الإنسان السوري الجديد ليس خيالاً بل مشروعاً وطنياً حقيقياً. ينبغي أن نعمل على بنائه كما نبني المصانع والطرق. فمن دون إنسان حر، لا توجد دولة قوية، ولا اقتصاد ناجح، ولا نهضة ممكنة.