الجمعة, 30 مايو 2025 03:11 PM

سوريا: هل النقابات هي الطريق نحو معارضة فاعلة في ظل غياب الأحزاب؟

سوريا: هل النقابات هي الطريق نحو معارضة فاعلة في ظل غياب الأحزاب؟

يشير أحمد عسيلي إلى سلسلة من التحولات المتسارعة التي تدل على أن الدولة السورية بصدد إعادة التموضع في الخارطة الإقليمية والدولية، من خلال رفع جزئي للعقوبات الأوروبية والأمريكية، واستئناف نظام "سويفت" المالي، واتفاقيات استثمارية مع مواني دبي، وتأسيس مجلس تنسيق اقتصادي مع الأردن، وإعادة افتتاح بعض السفارات. هذه المؤشرات توحي بمشهد جديد، تُقدَّم فيه السلطة على أنها فاعل إقليمي يستعيد شرعيته بهدوء.

في المقابل، تبدو المعارضة السورية (وهي هنا تسمية مجازية أكثر منها واقعية) ساكنة بشكل ملحوظ، حيث لم تُبدِ أي تفاعل يوازي هذه التغيرات. اقتصرت ردود الفعل على حملة إلكترونية عابرة اقتطعت تصريحًا لوزير الخارجية الأمريكي، وكلمة للشيخ غزال غزال، وبعض الأخبار عن دعوى قضائية في فرنسا، دون أي تداعيات حقيقية على أرض الواقع. هذا الواقع يعكس الفراغ الذي يلف الخطاب المعارض.

لفهم أسباب هذا الفراغ، يجب العودة إلى بنية "المعارضة السورية" المنقسمة إلى جناحين عاجزين: "معارضة الداخل" التي تعمل تحت سقف النظام، و"معارضة الخارج" التي وُلدت في أحضان القوى الداعمة. كلا الطرفين أخفق في إنتاج خطاب بديل أو بناء علاقة حقيقية بين القيادة والقاعدة.

ومع ذلك، كانت هناك محاولات صغيرة لكسر القالب، لكنها ظلت معزولة. نحن أمام سلطة تتقدّم دون منازع، ومعارضة تتلاشى دون أثر. هل يعني ذلك أن الأمل معدوم؟ ليس بالضرورة، لكن من العبث انتظار ولادة فورية لمعارضة ناضجة. المجتمع نفسه لا يزال رازحًا تحت أعباء الانقسام والخوف والفقر، والمعارضة تفتقر إلى الأدوات والخيال السياسي والهوية الجامعة.

الحل لا يكمن في استنبات معارضة جديدة بمقاييس الأحزاب، بل في تأسيس فضاء انتقالي (Espace transitionnel) كما وصفه دونالد وينيكوت وريني روسيلون. هذا الفضاء هو المكان الذي يعيد فيه المجتمع بناء ذاته، دون القفز مباشرة نحو السياسة الصلبة، أي فضاء التكوين قبل التنافس.

في الحالة السورية، لا يمكن لهذا الفضاء أن يكون حزبًا سياسيًا أو تيارًا فكريًا، بل يجب أن يمرّ عبر الفعل النقابي. فالنقابة تنطلق من واقع ملموس: العمل، الأجر، المهنة، الحقوق، خطابها بسيط وغير أيديولوجي وجامع، وهي قادرة على اختراق الانقسامات الطائفية والمناطقية، لأنها تنطلق من وحدة المعاناة اليومية.

النقابة هي حقل انتقالي بامتياز: مدرسة يومية يتعلم فيها الناس التفاوض وبناء الثقة والفعل الجماعي، وورشة حية لإعادة تركيب العلاقة بين المواطن والمؤسسة. في ظل غياب الاستحقاقات السياسية وتآكل الأحزاب وهشاشة المجتمع المدني، تبدو النقابة كالبذرة الوحيدة القادرة على كسر الانسداد، فهي ليست فقط وسيلة لتحسين شروط العمل، بل معمل لإنتاج الذات السياسية السورية، ومختبر للعيش المشترك، ووسيط عضوي قادر على مدّ الجسور بين فئات متنافرة.

الاعتراف بهذه الحقيقة لا يعني الهروب من السياسة، بل خوضها من مدخل مختلف، أكثر واقعية وعضوية والتزامًا بالزمن الطويل، فالمجتمعات تُبنى بتراكم الخبرات وبالبنية اليومية للتفاوض.

مشاركة المقال: