غسان كامل ونوس: لا شكّ في أنّ الثقة ضروريّة في العلاقات والبناء والإنجاز المرموق، سواء أكانت بين الفرد والفرد، أو بين الفرد والجماعة، أو بين الفرد والسلطة الحاكمة؛ ولا بديل عنها، ولا يمكن تجاهلها أو تجاوزها أو تأجيلها؛ وهي ليست بديلًا عن القوانين والأعراف والعادات الحميدة؛ بل تعزّزها، وتقوّيّها، وتدعمها.
لكن الثقة ليست وصفة، أو جرعة، أو حقنة، أو أمرًا، ولا تُفرض فرضًا، ولا تُتوَسَّلُ أو تستجدى، أو تُمنح منّة وتعاطفًا؛ بل هي إشعاع، أو انتثار، أو تشرّب وامتصاص واكتناز؛ كما أنّها ليست نيّة أو مشروعًا، أو سببًا، أو هدفًا، أو غاية؛ بل سبيل آمن، وأجواء مواتية، وسلوك قويم، ومنطق سليم؛ ولا تتوقّف الثقة على القول أو عنده، ولا على موقف أو فرصة، أو مصادفة، أو مناسبة، أو مجال، ولا على ظرف، أو مرحلة، أو عمر؛ وليست مؤقّتة، أو ظرفيّة، أو عارضة، ولا خالدة، وهي أعمق من عاطفة، وأوسع من علاقة، وأمتن من وسيلة؛ وهي حاجة؛ لكنّ من المعيب استغلالها، أو المساومة عليها، أو على حاجات أخرى، وامتيازات أخرى؛ بسببها أو من أجلها؛ وهي أمنية، وأمل، وراحة، ورحابة، وأمان؛ وهي ليست دائمة، ولا خالدة؛ والحفاظ عليها أصعب من تحقيقها؛ وحين تنكسر أو تخيب، أو تتصدّع، يصعب ترميمها، ويتعذّر تعويضها، ولا تنحصر تبعات ذلك على حيّز محدود، ولا تُوقِف ارتداداتها حدود، أو تحاصر تداعياتها حواجز أو سدود.
وتحلّ الكارثة حين لا يُعبَأ بالثقة، ولا يُسعى إليها، ولا يُضحّى من أجلها؛ وتتفاقم الكارثة حين يتفشّى عدم الثقة بين الأفراد والمكوّنات، وبين الجماعات والمجتمعات، وبين الحاكم والمحكوم، وتكرّسه السلوكات والممارسات والسياسات.
وتختلف مدد تحقّقها، وتتعدّد عواملها وعناصرها، وقد تطول حضانتها، أو مدّة ابتنائها؛ بيد أنّها حين تسود، تعوّض الكثير من الجهود والأوقات والفواقد؛ ويتوزّع جناها على الكائنات، والسبل، والمبادرات، والأعمال، والخطط، والإنجازات، والحاضر والمستقبل، ويقوّض فقدانها الركائز والدعائم والأركان، والتجمّعات والحواضر والبنيان.
وإذا كانت الثقة مهمّة في الأوقات العاديّة، والحالات المستقرّة؛ فإنّ أهمّيّتها بلا حدود؛ في حالات الاضطراب، والانفلات القيمي والأخلاقيّ والأمنيّ والقانونيّ.
فأين الثقة في ما نضمر، ونقول، ونمارس، ونبادر؟! وأين الثقة في ما نعايش، ونعاين، ونسمع، ونتلقّى، ونواجه؟! وكم نحتاج إلى تفهّم معناها، وتمثّل فحواها، وتقدير قيمتها وجناها وجدواها!
*** (أخبار سوريا الوطن ١-صفحة الكاتب)