في ظل التصعيد غير المسبوق الذي شهده فجر اليوم الجمعة، حيث نفذت إسرائيل سلسلة ضربات جوية استهدفت منشآت إيرانية نووية وحيوية، دخلت المنطقة مرحلة جديدة من التوتر والحسابات الاستراتيجية المعقدة. هذا الحدث أثار ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية والعسكرية والتحليلية، وطرح تساؤلات حول تأثير هذه التطورات على الوضع السوري، خاصة مع وجود روابط تاريخية وتنظيمية بين النظام الإيراني وميليشياته المتعددة من جهة، وبين النظام السابق في سوريا من جهة أخرى.
الوضع الأمني الإيراني وانعكاساته الإقليمية
الضربات الإسرائيلية التي تجاوزت 200 طلعة جوية، وتسببت في خسائر بشرية ومادية كبيرة، تُعدّ تحولاً استراتيجياً في طبيعة الحرب الخفية التي كانت تدور بين إسرائيل وإيران منذ سنوات. وتعتبر هذه الضربات بمثابة "نقطة التحوّل" في موازين القوى الإقليمية، إذ أنها استهدفت البنية التحتية الحيوية لطموحات إيران النووية، وهو ما كان يشكل ركيزة أساسية في تهديداتها للمنطقة والعالم. واستهدفت هذه الضربات مواقع مثل منشأة "نطنز"، و"فوردو"، و"بوشهر"، بالإضافة إلى مواقع بحثية تابعة لميليشيا "الحرس الثوري "الإيراني، مما أدى إلى تعطيل خطوط إنتاج أجهزة الطرد المركزي، وتخريب عمليات تخصيب اليورانيوم.
انتكاسة إيرانية وتقليص للدعم اللوجستي
من جهته، يقول الباحث في مركز حرمون للدراسات الدكتور طلال المصطفى في حديث لمنصة سوريا ٢٤: "إن التطورات الأمنية الجديدة في إيران قد تضعف قدرتها على تمويل ودعم أي ميليشيات لزعزعة الحكم الجديد في سوريا، ما ينعكس على تراجع نفوذها العسكري والسياسي في سورية والمنطقة". ورأى أن الانتكاسة الإيرانية قد تؤدي إلى تقليص الدعم اللوجستي والمالي الذي كانت تقدمه طهران لميليشياتها في سوريا، مثل "الدفاع الوطني الشيعي"، و"لواء زينبيون"، و"كتائب حزب الله العراقية"، وغيرها من الجماعات التي تعمل تحت مظلة الحرس الثوري الإيراني، وهذا قد يفتح المجال أمام الحكومة السورية الجديدة لتثبيت سلطتها على كامل الأراضي السورية، خاصة في المناطق ذات النفوذ الإيراني سابقاً. ولفت المصطفى إلى أن الانعكاس الثاني هو: "تأثير التطورات الأمنية في إيران سلباً على معنويات وموقع (محور المقاومة)، بما في ذلك (حزب الله) والميليشيات الحوثية في اليمن المتحالفة مع طهران، مما يبعد أي خطر على السلطة الجديدة في سوريا من الحدود اللبنانية من قبل حزب الله".
إعادة تقييم للأولويات
ويتوافق هذا التحليل مع تصريحات بعض الخبراء العسكريين الذين يرون أن ضعف إيران يُضعِف بشكل مباشر حزب الله اللبناني، الذي يعتمد بشكل كبير على الدعم الإيراني المباشر، سواء من حيث السلاح أو التدريب أو التنسيق الاستراتيجي. وفي حال استمرار الضغط على إيران، فقد تضطر طهران إلى إعادة تقييم أولوياتها، وبالتالي تقليص دعمها لميليشيا "حزب الله"، مما يقلل من خطر التصعيد على الحدود السورية اللبنانية، وفق تعبيره.
ضعف إيران الملحوظ
إيران تواجه تحديات داخلية (اقتصادية، سياسية، واجتماعية) وخارجية (عقوبات دولية، تصعيد إسرائيلي)، وبالتالي فإن هجمات إسرائيل أظهرت قدرتها على اختراق الدفاعات الإيرانية، مما يُضعف صورة إيران كقوة إقليمية مهيمنة. كما أن خسارة إيران لنفوذها في سوريا بعد التطورات الأخيرة، مثل انهيار نظام الأسد السابق، أضعف "ممرها البري" الذي يربطها بلبنان.
نهاية محور إيران في المنطقة
الدبلوماسي السوري السابق المقيم في واشنطن، بسام بربندي، قال في حديث لمنصة سوريا ٢٤: "إن سوري والسوريين اليوم بأمان أكبر من إيران وإجرامها، ولم يعد هناك محور إيراني أو محور شيعي، وعلى العراق أن يتعلم مما جرى في إيران ويعود لعقله، وبالتالي تُصبح المنطقة أكثر أماناً وتركيزاً على إعادة بناء ما خربه هذا المحور". بربندي يرى أن انهيار المشروع الإيراني في الداخل، سواء عبر الضربات الخارجية أو الاضطرابات الداخلية، قد يؤدي إلى تفكك ما يسمى بـ"محور المقاومة"، وهو ما يمكن أن يُترجم إلى تحسن في العلاقات بين سوريا وجيرانها العرب، وربما حتى انفتاح على دول الخليج العربي، خاصة إذا تواصلت عملية إبعاد النفوذ الإيراني من البلاد.
سوريا المستفيد الأكبر من ضعف إيران
وتمثل التطورات الأمنية في إيران، خاصة الضربات الإسرائيلية، فرصة لسوريا لتعزيز استقلالها السياسي والأمني، لكنها تأتي مع تحديات كبيرة، إذ أن نجاح سوريا في استغلال هذه الفرصة يعتمد على قدرتها على: إدارة التدخلات الإقليمية، تفكيك النفوذ الإيراني الداخلي، وتأمين دعم دولي وعربي لإعادة الإعمار، وبالتالي فإن التوازن بين هذه العوامل سيكون حاسماً لتحقيق استقرار طويل الأمد. المحلل السياسي مالك عبيد قال في حديث لمنصة سوريا ٢٤: "إن هذه الأحداث المتوالية سيكون لها آثار على الدول الإقليمية والدولية، وسوريا إحدى الدول التي ستتأثر بهذه الأحداث كون موقعها الجغرافي يجعل منها مهددة، لكن هذا كله يصب لصالح سوريا الجديدة التي كان موقفها من تلك العمليات هو الحياد وخاصة أن موقع سوريا الجغرافي يجعل منها عرضة لخطر الصراعات التي تهدد أمنها واستقرارها بعد التحرير والانتصار". ويشير عبيد إلى أن سوريا قد تكون المستفيد الأكبر من ضعف إيران، خاصة مع انسحاب مليشيات الحرس الثوري وحزب الله من معظم المناطق السورية، نتيجة الضغوط الدولية والإقليمية، إضافة إلى تغير المعادلات على الأرض. ويرى أن الحكومة السورية الجديدة قد تسعى لتعزيز علاقاتها مع الغرب والدول العربية، في مقابل تقليل الاعتماد على إيران. ووسط كل ذلك، فإن الضربات الإسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية ليست مجرد عملية عسكرية، بل هي بداية مرحلة جديدة في التوازنات الإقليمية، إذ أن سوريا وبحكم موقعها الجغرافي والتاريخي، تقع في صلب هذه التحولات. ومع تراجع النفوذ الإيراني، قد تدخل سوريا مرحلة جديدة من الاستقرار النسبي، بشرط استمرار الدعم الدولي والعربي للحكومة الجديدة، وتمكينها من السيطرة الكاملة على الحدود، وتطهير المؤسسات من الذراع الإيرانية.