نشرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً مفصلاً عن السجل الأسود لمحمد الشعار، وزير الداخلية في عهد النظام السابق، مسلطة الضوء على قائمة طويلة من الجرائم المرتكبة في عهده. وأكدت الشبكة أنه "لا يمكن بأي حال من الأحوال مسامحة أو العفو عن مرتكبي الانتهاكات الجسيمة من قيادات الصف الأول"، مشيرة إلى أن هذه الانتهاكات "لا تسقط بالتقادم"، خاصة وأنها طالت ملايين السوريين في جميع أنحاء البلاد.
يمن حلاق، الباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أوضحت سبب اختيار الشعار قائلة: "لدينا قاعدة بيانات تضم نحو 16200 اسم لشخصيات متورطة بالانتهاكات، ونسعى لتسليط الضوء عليها. محمد الشعار هو واحد من بين كثيرين، خصوصاً في هذه المرحلة التي يفترض أن تبدأ فيها مسار العدالة الانتقالية أو المحاسبة، والتي يجب أن تركز على القيادات العليا والمتورطين بالانتهاكات".
يأتي هذا التقرير وسط جدل واسع بين السوريين حول نهج "التسامح" الذي تتبناه الحكومة، في محاولة لتقديم العفو والسلم الأهلي على "الانتقام". ويرى المعترضون أن الحكومة لا تملك حق إسقاط العقوبة، ويطالبون بتبريرات مقنعة لإطلاق سراح أشخاص ثبت تورطهم بجرائم كبرى.
أشار التقرير إلى أن الشعار يعتبر من رموز الصف الأول في نظام الأسد المخلوع ومسؤول عن جرائم ضد الإنسانية بحق السوريين. وتوثق قاعدة بيانات الشبكة أنه كان مشرفاً مباشراً على سياسات القمع الممنهج، والتي تضمنت القتل خارج نطاق القانون، والاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، وقتل المعتقلين، إضافة إلى التواطؤ في الإعدامات غير القانونية وعمليات التهجير القسري.
وكانت وزارة الداخلية السورية قد أعلنت عن تسليم الشعار نفسه في مطلع شهر شباط الماضي، بعد ملاحقته أمنياً، دون ورود أي معلومات جديدة حول وضعه منذ ذلك الحين.
وأكدت حلاق أن إعادة تسليط الضوء على جرائم الشعار "يأتي في سياق مطالبتنا بالعدالة الانتقالية ومحاسبة القيادات العليا من رؤوس النظام"، منوهة بأن "قرارات العفو تزيد الغضب الشعبي لأننا لم نرَ مسارات محاسبة حقيقية، وبالتالي من الممكن جدا أن تزيد عمليات الانتقام الفردية".
هل السلم الأهلي مقدّم على العدالة الانتقالية؟
عقد عضو اللجنة العليا للسلم الأهلي في سوريا، حسن صوفان، والمتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، مؤتمراً صحفياً في دمشق، للإجابة على التساؤلات المتعلقة بهذا الشأن، بعد تصاعد حالة من الاستياء الشعبي.
وأثار مقطع فيديو متداول لشخص يدعى سقراط الرحية، أحد الموقوفين المفرج عنهم والمتهم بارتكاب جرائم حرب، يشكر فيه فادي صقر لوساطته في الإفراج، غضباً شعبياً واسعاً.
أوضح صوفان أن "العدالة الانتقالية لا تقوم على محاسبة كل من خدم في النظام السابق، بل تركز على ملاحقة كبار المجرمين المتورطين بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق السوريين".
وفي هذا السياق، أشارت حلاق إلى أن الشبكة تتفهم أن الحكومة قد تضطر لاتخاذ إجراءات مثل إطلاق سراح بعض الموقوفين، لكنها شددت على أهمية الشفافية والوضوح بشأن الخلفيات التي تصدر على أساسها قرارات العفو، مؤكدة أن إصدار العفو بهذه الطريقة يعني عدم وجود مسارات قانونية محددة للعملية.
وشددت على أن "السلم الأهلي لا يتعارض مع العدالة الانتقالية، بل هو نتيجة لتطبيقها. المحاسبة لا يمكن أن تشمل الجميع، لذا فإنها تقتصر على القيادات العليا". وأضافت أن السلم الأهلي يقوم على أركان أخرى مثل التعويض وجبر الضرر وكشف الحقيقة، وأن إطلاق سراح ضباط والقول بصدور عفو عام عنهم لا يخدم السلم الأهلي، بل يجب أن يكون مشروطاً باعترافات علنية وتقديم التعويضات للضحايا.
وأكدت الشَّبكة أنَّه "لا يمكن بأي حال من الأحوال مسامحة أو العفو عن مرتكبي الانتهاكات الجسيمة من قيادات الصف الأول في نظام الأسد، مهما حاولوا تبرير أفعالهم أو التنصل من مسؤولياتهم، فهذه الجرائم، التي تشمل القتل خارج نطاق القانون، التعذيب، الإخفاء القسري، والتهجير القسري، ليست تجاوزات فردية، بل كانت جزءا من سياسة ممنهجة استهدفت سحق المعارضة وإرهاب المجتمع بأسره".
يذكر أن الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، هي "هيئة سوريّة مستقلة تهدف إلى إحقاق العدالة الانتقالية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها نظام الأسد".