مساء الخميس، الثاني عشر من حزيران/يونيو 2025، اجتمع عدد من المثقفين والناشطين السوريين في المركز الثقافي بمدينة جرمانا بريف دمشق، لإحياء الذكرى الثانية عشرة لاختطاف الناشطة الحقوقية رزان زيتونة ورفاقها الثلاثة سميرة الخليل، ووائل حمادة، وناظم حمّادي، الذين اختُطفوا من مكتب “مركز توثيق الانتهاكات” في مدينة دوما بريف دمشق عام 2013، وما يزال مصيرهم مجهولًا حتى اليوم.
رموز الثورة.. وحكاية وطن مغيّب
رغم مرور أكثر من عقد على اختفائهم، لا تزال أسماء رزان، وسميرة، ووائل، وناظم تعبّر عن جوهر الثورة السورية، وتُجسّد حلم السوريين بوطن حر وديمقراطي، لا يُميز بين أبنائه على أساس الطائفة، أو الدين أو العرق أو الجنس. تقول شيرين الحايك، إحدى المشاركات في الفعالية التي حملت عنوان “مخطوفو دوما الأربعة ما زالوا يسكنوننا”، بمشاركة نخبة من الفنانين والكتّاب، إن الفعالية استحضرت سيرة المغيّبين من خلال كلمات وقراءات وأداءات فنية وشهادات حيّة، أعادت إلى الذاكرة ما مثّلته هذه الشخصيات من نضال سلمي وفكر مدني، في وجه الاستبداد بجميع أشكاله.
أصوات من الغياب
افتُتحت الفعالية بكلمة للكاتب ياسين الحاج صالح، زوج المغيبة سميرة الخليل، استعرض خلالها تطورات القضية وما تم التوصل إليه من قرائن حول الجهة المتورطة في جريمة الاختطاف، مشددًا على أن العدالة لهؤلاء الأربعة هي مدخل لعدالة أوسع تطال آلاف المغيّبين في سوريا. كما تضمّنت الأمسية قراءات مختارة من مقالات رزان زيتونة، ويوميات الحصار التي كتبتها سميرة الخليل في دوما عام 2013، بالإضافة إلى قصائد من ديوان “ضد” للشاعر ناظم حمّادي، بأداء تمثيلي مؤثر شارك فيه كل من: رغدة الخطيب، رنا كرم، فرح الدبيّات، مجدي المقبل، ورافقهم صوت السوبرانو نُعمى عمران، بإخراج الفنانة حنان شقير من “محترف جمر المسرحي”.
زراعة الأمل بأسماء المغيّبين
واختُتمت الفعالية بزراعة أربع أشجار في الحديقة البيئية قرب المركز الثقافي في جرمانا، حملت كل واحدة منها اسم أحد المغيبين الأربعة، كرمزٍ لاستمرار حضورهم في ذاكرة السوريين، ولزرع الأمل في تحقيق العدالة وكشف مصيرهم.
الجريمة التي لا تنتهي تعود واقعة الاختطاف إلى ليلة التاسع من كانون الأول/ديسمبر 2013، حين اقتحم مسلحون ملثمون مكتب مركز توثيق الانتهاكات في دوما، واقتادوا رزان، ووائل، وسميرة، وناظم، وصادروا حواسيبهم وهواتفهم. ومنذ ذلك الحين، لم تظهر أي معلومات موثوقة حول مصيرهم. وتتجه أصابع الاتهام بقوة إلى تشكيل “جيش الإسلام”، الذي كان يسيطر على المنطقة آنذاك. إذ تشير قرائن كثيرة، جمعها ذوو المغيّبين ومنظمات حقوقية، إلى تورط مباشر لهذا الفصيل في الجريمة، دون وجود أي دلائل تدين أطرافًا أخرى. ورغم المطالبات المتكررة، لم يصدر عن “جيش الإسلام” رد جدي أو تعاون حقيقي مع الجهات الحقوقية.
الجريمة، كما يصفها ذوو المغيبين، “مستمرة”، لأنها لا تقتصر على فعل الخطف، بل تشمل تعمّد إخفاء المعلومات وإنكار المسؤولية والتقاعس عن كشف الحقائق، مما يحوّل الجريمة إلى فعل يتكرّر كل يوم.
من هم المغيّبون الأربعة؟
- رزان زيتونة: محامية وناشطة حقوقية، أسست “مركز توثيق الانتهاكات”، وكانت من أبرز الوجوه المدنية في الثورة. عُرفت بجرأتها ومهنيتها، وساهمت في توثيق جرائم الحرب، أبرزها مجزرة الكيميائي عام 2013.
- سميرة الخليل: مناضلة يسارية سابقة، وناشطة في منظمة “النساء الآن”، عملت على دعم النساء في دوما خلال الحصار. تميزت بتواضعها وروحها الحنونة.
- وائل حمادة: زوج رزان، وناشط في التوثيق والعمل المدني. اعتُقل سابقًا وتعرض للتعذيب. عُرف بهدوئه وإخلاصه لقضية الحرية.
- ناظم حمّادي: شاعر ومحامٍ وحقوقي، جمع بين النضال السياسي والإبداع الشعري، وكان من الأصوات المخلصة لقضايا الحرية والعدالة في سوريا.
تستمر ذكرى رزان، وسميرة، ووائل، وناظم، لا كرموز فقط، بل كأفراد حلموا بوطن عادل، ودفعوا حريتهم ثمنًا لهذا الحلم. وإلى أن يُكشف مصيرهم، تبقى شجرتهم مزروعة في الأرض، وأسماؤهم مزروعة في الذاكرة.