أهالي دمشق ينتفضون ضد المرسوم 66 ومشاريع الإخلاء القسري
نفّذ العشرات من أبناء أحياء المزة، بساتين الرازي، كفرسوسة، القدم والقنوات، صباح اليوم، وقفة احتجاجية في ساحة الأمويين بدمشق، بدعوة من رابطة إسقاط المرسوم 66، رافعين شعارات تطالب بإلغاء المرسوم، وتعويض العائلات المتضررة، ووقف مشاريع البناء الفاخر المقامة على أراضيهم.
الوقفة، التي جاءت بعد سنوات من التهجير القسري، حملت صوت آلاف العائلات التي خسرت منازلها وحقوقها بفعل مرسوم صدر عام 2012، في ذروة الثورة السورية، تحت عنوان “تنظيم عمراني”، لكنه كان في حقيقته غطاء قانونيًا لأحد أكبر مشاريع التهجير والنهب العقاري الممنهج في تاريخ سوريا الحديث.
مرسوم التهجير المقنّع
ينص المرسوم 66 على إحداث منطقتين تنظيميتين في دمشق، الأولى خلف مشفى الرازي (ماروتا سيتي حاليًا)، والثانية جنوب المتحلق الجنوبي (باسيليا سيتي). لكن بدلًا من إعادة الإعمار لصالح السكان، تم تحويل الملكيات الخاصة إلى أسهم تنظيمية تُدار ضمن شركات عقارية مثل “دمشق الشام القابضة”، لتُباع لاحقًا في سوق مغلقة يهيمن عليها مستثمرون مرتبطون بالسلطة.
سعيد الخان، أحد سكان حي المزة المهجّرين، يصف المرسوم بأنه “مرسوم ظالم”، ويقول لمنصة سوريا 24: “هُجّرنا من بيوتنا لأننا وقفنا مع الثورة. هذه الأرض أرضنا، بنيناها بعرقنا، وبدلًا من أن نحصل على سكن بديل، صادروا منازلنا وشيّدوا أبراجًا لطبقة لا تشبهنا”.
ويضيف: “طالبنا بإعادة التأهيل، جاء المحافظ، استمع، ووعد… لكن شيئًا لم يتغير، والعمل استمر كما كان في زمن النظام. المرسوم ما زال قائمًا، والمطلب واضح: إسقاطه كما سقط من أقرّه”.
شهادات من قلب القضية
تقول المحامية خديجة حليمة، المتحدثة باسم الرابطة، لمنصة سوريا 24 إن المرسوم مثّل عقوبة جماعية ضد آلاف السوريين الذين شاركوا في الثورة أو احتضنوها. وتضيف: “أكثر من 7,500 عائلة تضررت مباشرة من هذا المشروع، دون أن تحصل على سكن بديل أو تعويض. كثيرون عاشوا في بيوت عربية قديمة، امتلكوا أسهمًا بسيطة، صودرت لاحقًا وقُيّمت بثمن بخس لا يتجاوز 3 ليرات للسهم”.
وتختم حديثها بالقول: “نطالب اليوم الرئيس أحمد الشرع والحكومة الجديدة بإلغاء المرسوم رسميًا، وإعادة الحقوق إلى ذوي الشهداء والمعتقلين، وتأمين حماية قانونية عاجلة للمتضررين”.
أما زكريا الحصوات، من سكان بساتين الرازي خلف مشفى الرازي، فيوضح أن المرسوم صدر بـ”أسلوب مخادع”، ورافقه تسويف طويل ووعود زائفة: “قُدّر السكن البديل بـ100 متر بسعر 60 مليون ليرة، وطُلب منا دفع 10٪ دفعة أولى (أي حوالي 6 ملايين ليرة). بعد سنتين، ارتفعت التكلفة إلى أكثر من مليار ليرة! ومع ذلك، لم نستلم شيئًا”.
ويضيف: “المساكن وُزّعت لأهالٍ من خارج الحي، مثل منطقة اللوان، بينما نحو 9,000 عائلة من السكان الأصليين لم تحصل على شقة أو متر بديل. نحن أصحاب مصانع ومنازل ومحال، لكننا لم نحصل حتى على تعويض إيجار. هناك من فقد 23 شهيدًا في عائلته، ولا يزال يعيش بلا سقف”.
وأشار إلى أن محاميًا أوفدته الدولة سابقًا “استولى على 40٪ من قيمة التعويض، رغم أن المبلغ أصلًا كان زهيدًا ومجحفًا”.
ماروتا وباسيليا: مشروع رفاهية مشيّد على الوجع
المشروع، الذي تحوّل إلى رمز للثراء المفروض على دمشق، أُقيم على حساب السكان الحقيقيين، الذين تم تهجيرهم قسرًا أو دُفعوا للتنازل عبر الضغط الأمني والقانوني. ومن خلال سلسلة من الإجراءات والقرارات، تمت مصادرة الأراضي، وتحويلها إلى أسهم، وبيعها في مزادات مغلقة، دون إشراك أصحاب الحق الأصليين.
ما جرى – بحسب ناشطين قانونيين – لم يكن تنظيمًا عمرانيًا، بل هندسة ديموغرافية عنيفة، أدارتها شبكة معقّدة تضم:
- جهات رسمية (مثل محافظة دمشق)
- شركات قابضة (كـ”دمشق الشام”)
- قضاة ومحامين متورطين في تزوير وكالات
- سماسرة عقاريين
- شخصيات دينية ومجتمعية لعبت دورًا في جمع معلومات أمنية وتبرير المصادرات
مطالب المحتجين لمنصة “سوريا 24”:
- إلغاء المرسوم 66 بالكامل وبمرسوم رئاسي صريح
- رد جميع الحقوق لأصحابها، بما في ذلك الأراضي والمساكن والتعويضات
- إبطال العقود القسرية التي تم توقيعها تحت الضغط أو الاحتيال
- تجميد مشاريع ماروتا وباسيليا مؤقتًا لحين إنصاف الأهالي
- محاسبة المتورطين إداريًا وقانونيًا، بمن فيهم الجهات التي سهّلت التنازل أو التزوير
- تأمين سكن بديل وتعويض إيجار عاجل لكل العائلات المتضررة
بين القانون والعدالة… خطوة واحدة: الإلغاء
المرسوم 66 لم يكن خطأ قانونيًا عابرًا، بل أداة مدروسة لتفريغ الأحياء الشعبية من سكانها، وإعادة تشكيل دمشق لصالح نخبة مالية وأمنية، وبينما ترتفع الأبراج الفاخرة في ماروتا وباسيليا، يقف آلاف السوريين على أطلال منازلهم، في انتظار عدالة مؤجّلة، ويختم المتضرر حديثه بالقول: “هجرنا في ظل القانون، فليُعد القانون لنا كرامتنا”.
ويأمل المتضررون أن يصدر عن الحكومة الجديدة أو الجهات المعنية موقف رسمي خلال الأيام القادمة، يوضح مصير المرسوم 66 ومآلات المشاريع القائمة على أراضيهم. وستتابع منصة سوريا 24 الأمر مع المسؤولين وتوافيكم بأي تطورات.