في الظاهر على الأقلّ، تبدو الجهود لحلّ المشكلة الكردية في تركيا، كما لو أنها تسير من جانب واحد، هو الجانب الكردي. فإلى الآن، يبادر «حزب العمال الكردستاني» إلى اتّخاذ إجراءات يَعتقد أنها تأتي في إطار حلٍّ غير معلَن بين الحزب والسلطة (ممثَّلة برئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان وزعيم «حزب الحركة القومية» دولت باهتشلي)، من دون أن يلقى خطوات مقابلة.
وكان زعيم «الكردستاني» المعتقل، عبد الله أوجالان، قام بما عليه، حين وجَّه نداءه الشهير بحلّ الحزب وتسليم سلاحه، لتعقب ذلك مطالبة الأخير بإطلاق سراح زعيمه ليتولّى بنفسه إدارة المؤتمر الذي سيقرّ تلك الإجراءات، تحت طائلة الامتناع عن هذه الخطوة في حال لم تُقدم الدولة على إعلان خُططها لحلّ المشكلة. ومع هذا، عُقد المؤتمر الذي فيه تقرّر تنفيذ نداء «آبو»، فيما جُلّ ما يسعى وراءه «الكردستاني» الآن، هو إطلاق سراح زعيمه ليشرف على تطبيق الاتفاق.
وتبرز، في هذا الإطار، مطالعة طويلة للقيادية في «حزب العمال»، بيسيه هوزات، نُشرت قبل أيام في صحيفة «يني ياشام» المؤيّدة لـ«الكردستاني»، أكدت فيها أن «قرارات مؤتمر الحزب لا يمكن تطبيقها إلّا بإطلاق سراح أوجالان، الذي يمكنه وحده نزع السلاح من أيدي المقاتلين». وقالت هوزات إن «الدول الكبرى رأت أهميّة الدور الكردي في الشرق الأوسط، فعملت على خطط تضمن مصالحها وأمن إسرائيل، وإعطاء الأكراد موقعاً في رسم سياسات المنطقة.
وهذا أخافَ الدولة التركية، فأرسلت وفودها إلى أوجالان الذي قيّم ما حَمَلته، ووافق على الدخول في عملية الحلّ، ما أكد الأهمية المتزايدة للعامل الكردي في المنطقة واستحالة تصفية قضيّته». وأضافت: «أوجالان رأى في مبادرة الدولة الجديدة فرصة، ولا سيما أنها صدرت عن باهتشلي تحديداً، الذي يعتبر «عقل» الدولة العميقة، وممثّل فلسفتها التأسيسية»، داعيةً السلطات إلى «الاعتراف بالحقّ في الحياة السياسية الديموقراطية، ووضع الترتيبات القانونية والقضائية، وإطلاق سراح أوجالان، وإلّا فلا يمكن للحزب حلّ نفسه ولا وقف الكفاح المسلّح الذي يَعتمد على الحرية الجسدية للقائد آبو».
كذلك، رأت هوزات أن «نهج العدالة والتنمية ليس جادّاً كفاية، إذ يماطل ويضع العربة أمام الحصان»، بخلاف «الكردستاني» الذي قالت إنه «جادّ في حلّ نفسه ووقف العمل المسلح والانتقال إلى العمل السياسي». ومن جهة أخرى، انتقدت هوزات سياسة تركيا في سوريا، معتبرةً أنه «ما دامت أنقرة تتبع سياسات معادية للأكراد في سوريا، فلن يكون لها مكان في هذا البلد. أمامها طريق واحد للبقاء في سوريا، وهو الاعتراف بحقوق الأكراد السوريين، وإلّا ستكون هي الخاسر الأكبر».
وجاء كلام هوزات في سياق مواقف متناقضة وإشارات متعارضة، من بينها بيان مجلس الأمن القومي التركي الصادر قبل أيام، والذي وصفته صحيفة «يني أوزغور بوليتيكا» الكردية بأنه «عدوانيّ ومحرّض»، خصوصاً مع ورود مصطلح «تصفية» الحزب في متنه. وبحسب البيان المذكور، «قيّم المجلس التطوّرات والخطوات الهادفة إلى جعل تركيا بلا إرهاب، وأكد تصميمه على جعل تركيا مرفّهة وقوية»، وعلى «إخراج الإرهاب من انشغالاتها وتَتبُّع كل مرحلة من مراحل عملية التصفية».
ومع أن إردوغان أوعز إلى عشرة حقوقيين بإعداد دستور جديد للبلاد، فإن التباينات في شأن عملية الحلّ ما تزال كبيرة؛ فالأكراد يقدّرون أن العملية قد تنتهي قبل نهاية حزيران، فيما ترجّح أوساط «العدالة والتنمية» أن تُختتم مع نهاية فصل الصيف. ووفقاً للكاتب مراد يتكين، فإن «مشكلات تظهر في طريق عملية الحلّ. فالقيادي في حزب العدالة والتنمية، ظفر صاري قايا، قال: إذا لم يسلّم حزب العمال سلاحه، فلن تتألّف اللجنة البرلمانية الخاصة بالحلّ». ولفت الكاتب إلى أن «مسألة تسليم السلاح غير واضحة بعد.
يُنقل أن أصواتاً داخل قيادة حزب العمال، وتحديداً مراد قره ييلان، ترى أن الأكراد كانوا قادرين على مواصلة حرب كبرى وبدعم دولي ضدّ تركيا»، متسائلاً: «عمَّن يقصد قره ييلان في هذا التسريب لشريط الفيديو، بالدول الخارجية؟ هل الولايات المتحدة أم إسرائيل أم إيران؟»، مؤكداً أن «محاولة إيجاد حلّ سياسي للقضية الكردية تحت قبة البرلمان لن تكون سهلة»، وأنه لا يعرف ما إذا كان قرار تسليم السلاح «كرمى لخاطر أوجالان، أم أنه مناورة لمواصلة الكفاح المسلّح؟ الواضح أن خلافات في الرأي موجودة داخل حزب العمال الكردستاني».
وختم قائلاً إن «السجال بين مستشار إردوغان محمد أوتشوم، ورئيس حزب المساواة والديموقراطية للشعوب الكردي تونجير باقر خان، تعكس جانباً من هذه الصعوبات، إذ وصف باقر خان، المعتقلين الأكراد، مثل صلاح الدين ديميرطاش، بـ»المعتقلين السياسيين»»، فيما ردّ أوتشوم بالقول إنهم «معتقلون على خلفية قضايا إرهابية لكن باقر خان لا يفهم بالقانون»».