صدر كتاب "العلمنة المعاصرة – بين ديننا ودنيانا" للدكتور سهيل فرح عام 1997، أي قبل نهاية القرن العشرين. يتناول الكتاب قضايا مهمة، أبرزها موضوع العلمنة المعاصرة وضرورة تطابقها مع "خصوصية الواقع العربي" وتعقيداته، بالاستناد إلى المعرفة العلمية المتجددة والمعرفة الدينية الأصيلة.
يرى الكتاب أن المعرفة العلمية، وهي نتاج العلوم الإنسانية والطبيعية، تمكن الإنسان من التحكم العقلاني بالواقع، بينما المعرفة الدينية تمثل نظرة المخلوق للخالق. ويحذر من إدخال الدين قسراً في اللاوعي الشعبوي أو استخدامه بديلاً عن السياسة.
يخاطب الدكتور سهيل في كتابه العلمانيين الذين يستقون مرجعياتهم من الفكر الوضعي، داعياً إياهم للانفتاح على المعطى الديني. كما يخاطب رجال الدين، حاثاً إياهم على عدم الانغماس في السياسة الملوثة والانفتاح على مختلف المرجعيات الدينية والعلمية.
يطرح الباحث رؤية علمانية جديدة، يراها مطابقة لواقع المشرق العربي، وتتميز عن الطروحات العلمانية الأخرى التي حاولت إبعاد الدين عن حياة البشر.
يشير الكتاب إلى تأثير الحداثة على المجتمعات العربية، ويرى أن ردود الفعل عليها لم تدخل هذه المجتمعات في دائرة الفعل الحضاري المنتج، بل وضعت عوائق أمام التحديث. ويؤكد أن تفوق الغرب يكمن في العلم وتطبيقاته.
يقسم الكتاب إلى سبعة أبواب، ويتناول الباب الثاني "الخطاب الدوغمائي ورفض الآخر"، حيث يبحث في دوغما الأنا وإلغاء الآخر وبنيان الخطاب الدوغمائي. يرى الباحث عودة مكثفة إلى تعزيز الصنمية لخطاب الطائفة أو الحزب أو الزعيم، ويدعو إلى خطاب تنويري وتفكير جماعي علمي منفتح على كل الثقافات والديانات.
يؤكد الباحث أن الموروث القديم يسكن الوعي المتأخر عن العصر، ويشكل عائقاً أمام بناء المجتمع الديني الحديث. ويحذر من خطورة الدوغمائية في تحريك الدوافع النفسية وتوظيف اللاوعي الجماعي.
يشير الكتاب إلى أن الدوغمائيين يرفضون الآخر، سواء كان ينتمي إلى دين آخر أو إلى تجربة حضارية أخرى، ويتمسكون بنظرة واحدة للعالم.
يختتم الدكتور سهيل فرح كتابه بالتأكيد على أن أفكاره هي مقاربات تمهيدية لأعمال علمية واسعة، ويدعو العقول المفكرة إلى العمل الجاد ضد الجهل والتعصب، وإحلال المعرفة التي هي جوهر الثقافة والروح.
الكتاب يضع النقاط على الحروف، ويشكل دليل عمل للباحث والطالب، ولكل من يرفض أو يخاف من مصطلح العلمنة والعلمانية.