الخميس, 29 مايو 2025 02:38 PM

سوريا تتكاتف: مبادرات مجتمعية تعيد الحياة لمدن أنهكتها الحرب

سوريا تتكاتف: مبادرات مجتمعية تعيد الحياة لمدن أنهكتها الحرب

حملات متخصصة

عنب بلدي – موفق الخوجة كثّف السوريون، بعد 8 من كانون الأول 2024، إقامة حملات ومبادرات مجتمعية محلية، تهدف إلى النهوض بالواقع الخدمي والمجتمعي، ومساندة المؤسسات الحكومية، التي ورثت بنية تحتية متهالكة، واقتصادًا مدمرًا. واتخذت بعض هذه الحملات طابعًا مناطقيًا، من خلال جمع التبرعات من أهل المدينة نفسها، بمساندة متطوعين ومتبرعين من داخلها ومن أبنائها المغتربين.

إحدى هذه الحملات هي “الوفاء لحلب”، وهي حملة أهلية تطوعية أطلقها ناشطون و”ثوار” من أبناء حلب، الهدف منها سد احتياجات المدينة ومساعدة المؤسسات الرسمية في اجتياز المرحلة بـ”التكاتف الشعبي” من خلال عدة أنشطة خدمية اجتماعية وتوعوية. بحسب معيوف البحر، وهو أحد أعضاء مجلس إدارة “الوفاء لحلب”، اعتمدت الحملة على مجموعة من المتبرعين المحليين من أبناء مدينة حلب، بالإضافة إلى الفعاليات ومنظمات المجتمع المدني التي وحّدت الجهود تحت مظلتها.

إلى جانب الحملات العامة التي اتخذت أهدافًا متعددة في أكثر من قطاع، أطلق ناشطون حملات متخصصة في قطاع خدمي واحد. في محافظة ريف دمشق، أطلق الأهالي حملة “سقيا النبك”، وهي مبادرة شعبية لتأمين مصدر مياه “دائم ونظيف” لسكان المدينة من خلال حفر بئرين جديدين وصيانة آبار قديمة. محمد الشاقي، المسؤول الإعلامي عن الحملة، أوضح لعنب بلدي أن المبادرة جاءت جراء معاناة الأهالي مع شح المياه، والانقطاعات الطويلة، وارتفاع تكاليف تأمينها، وهو ما دفعهم لإطلاق حلّ جذري يعتمد على أنفسهم، بعيدًا عما أسماه “التسويف الرسمي”.

ويرى الشاقي أن الحملة تميّزت بطابعها الشعبي، حيث شاركت فيها جميع فئات المجتمع، ومختلف الأعمار، كل حسب قدرته، مشيرًا إلى أن كل المبادرات داخل المدينة اتحدت من أجل تحقيق الهدف.

وفي محافظة درعا، أطلق ناشطون حملة “أنوار حوران” لإنارة الشوارع، بهدف نشر الأمان ومنع جرائم السرقة والخطف، والتقليل من حوادث السير، وإعادة الحياة إلى المدن وتشجيع الناس على العودة إلى منازلهم، وأصحاب المحال التجارية إلى نشاطاتهم. بدأت المبادرة، بحسب المسؤول عنها أيمن الزعبي، بعد سقوط النظام السابق وعودة عدد من الأهالي إلى محافظة درعا، وسط حالة “مزرية” في قطاع الكهرباء، حيث الشوارع الرئيسة تقع تحت “ظلام دامس” بسبب خطط تقنين الكهرباء الطويلة.

وقال الزعبي لعنب بلدي، إنها بدأت من ناشطين، ثم توجهوا إلى محافظ درعا ورئيس البلدية، اللذين أبديا “تجاوبًا كبيرًا”. وشكل القائمون على الحملة لجنة تقنية وإعلامية، تتكون من ناشطين عملوا خلال فترة الثورة السورية بالمشاريع التنموية والإنسانية، إلى جانب ممثلين عن المؤسسات الحكومية.

تجاوزت المبلغ المطلوب

انطلقت حملة “سقيا النبك” بهدف حفر بئرين جديدين تصل تكلفة حفرهما إلى 240 ألف دولار، إضافة إلى صيانة الآبار القديمة “المتدهورة “في مدينة النبك، والتي تقدر تكلفة إصلاحها بنحو 60 ألف دولار، ليصبح الهدف الكلي 300 ألف دولار.

تمكن القائمون على حملة “سقيا النبك” من جمع المبلغ المطلوب خلال أربعة أيام فقط، عبر تفاعل الأهالي والمغتربين، وتجاوزوه بـ300 ألف دولار إضافية، ليصل مجموع التبرعات إلى 600 ألف دولار، إذ تم من خلالها التعاقد مع حفارة متخصصة وبدء الحفر. الشاقي قال إن القائمين على الحملة هم مجموعة من أبناء المدينة من مختلف الفئات، داخل النبك وخارجها، إضافة إلى بعض المحال التجارية، الذين اجتمعوا تحت مسمّى لجنة “سقيا النبك”.

كما أشار إلى أن اللجنة جمعت التبرعات عبر منصة “جود”، وهي منصة “تتميز بالشفافية”، بحسب تعبير الشاقي، حيث يمكن لكل متبرع متابعة التبرعات، ومعرفة حجمها الكلي بشكل مباشر.

وخلال مؤتمر المانحين الذي أعلنت عنه إدارة حملة “الوفاء لحلب”، تعهدت منظمات المجتمع المدني بتنفيذ مشاريع وصلت قيمتها الإجمالية إلى مليوني دولار خلال العام الحالي، والذي اعتبره البحر بمثابة “دعم معنوي للحملة” وللعمل تحت مظلتها. إضافة إلى تبرع المنظمات، جمعت الحملة مبالغ نقدية وصلت إلى هيئة تبرعات في المؤتمر، تجاوزت 30 ألف دولار، مشيرًا إلى توثيقها ضمن مخرجات مؤتمر المانحين لـ”ضمان الشفافية”، وفق حديث البحر لعنب بلدي.

من جانبها، أمّنت حملة “أنوار حوران” نحو 250 جهاز إنارة، كما توجهت الحملة لرجال الأعمال في المدينة بهدف تجاوز الهدف الحالي.

خطط ومعايير

بدأت حملة “أنوار حوران” بداية الأسبوع الحالي، ويتوقع الزعبي أن تستمر بين أسبوعين وشهر، موضحًا أن الفكرة هي أن يكون المشروع انطلاقة شعبية، معتمدة على المقتدرين ماديًا والمغتربين، بحيث يتبرع كل شخص بجهاز إنارة واحد على الأقل لتغطية هدف الحملة.

وأوضح الزعبي أن الحملة قائمة على تبرع الناشطين بثمن أجهزة الإنارة، بينما تقوم المؤسسات الحكومية بتأمين اللوجستيات الأخرى من أعمدة وفنيين لتركيبها.

وتسير حملة “الوفاء لحلب” وفق خطة تعتمد على معيارين، الأول هو دليل الاحتياجات الذي أنشأه فريق المبادرة برصد الأحياء الأكثر احتياجًا للخدمات المتاحة، بينما يعتمد الثاني على مدى تفاعل وجاهزية وإمكانية أهالي الأحياء. وتشمل الخطة جغرافيا محافظة حلب بالكامل، وامتدت إلى أنشطة أخرى كان أحدثها، حتى لحظة تحرير التقرير، البدء بتنفيذ الرش الضبابي للمبيدات الحشرية لمكافحة الحشرات الناقلة لمرض الليشمانيا (حبّة السنة).

وأشار عضو مجلس إدارة الحملة، معيوف البحر، إلى نشاط آخر للرش الرذاذي بهدف مكافحة القوارض خلال الأيام المقبلة.

من جانبه، قال العضو في “سقيا النبك” المهندس فادي حاج حسين، إن الخطة الحالية هي الاستمرار بالحفر حتى الوصول إلى منسوب المياه، مشيرًا إلى تحديات بسبب وجود طبقات صخرية صلبة (صوّان).

وتتمثل الخطة المقبلة لحملة “سقيا النبك” بعد الحفر والوصول للماء، بصيانة شبكة أنابيب توصل المياه لأكبر عدد ممكن من المنازل، مع إمكانية توسيع المشروع ليشمل أكثر من بئر، وضمان استدامة تشغيل النظام. كما تُدرس إمكانية إنشاء لجنة إشراف دائم تضمن الشفافية والصيانة المستمرة للبئر، بحسب ما أوضحه حاج حسين لعنب بلدي وربط البحر الخطط المستقبلية لمبادرة “الوفاء لحلب” بالإمكانيات والمعطيات القادمة، مشيرًا إلى أن أحد الأهداف هو تعزيز دور المؤسسات الرسمية.

وفي حال وصلت المبادرة لهذا التعزيز، ستكون هناك أدوار ومبادرات وحملات أخرى، من قطاعات قد يكون فيها نوع من الشاغر، تمهيدًا للوصول لتعزيز ثقافة العمل الجماعي والفكر التطوعي بين أفراد المجتمع السوري الواحد.

في درعا، قُسّمت كوادر المبادرات في المحافظة إلى مجموعات، كل مجموعة منها تعمل على أهداف ومشاريع مستقبلية خدمية، تتعلق بالنظافة وتأهيل آبار المياه.

وتتمثل خطط المبادرات المجتمعية المستقبلية بدرعا بمساندة المؤسسات الحكومية، إذ يرى مؤسس “أنوار حوران”، أيمن الزعبي، أن بناء دولة حديثة ديمقراطية يقع على عاتق الشعب أيضًا. البحر قال إن القائمين على حملة “الوفاء لحلب” يعملون بالتنسيق مع المؤسسات الرسمية والفعاليات المدنية ومنظمات المجتمع المدني في هذه الأنشطة. واعتبر أن التنسيق “حالة تشاركية” للوقوف على مسؤولياتهم تجاه سوريا، آملًا أن تتوسع هذه الفكرة لتشمل جميع المحافظات السورية.

وعلى مستوى آخر، أطلقت الحكومة مبادرات محلية بهدف مشاركة الناشطين والفعاليات المحلية ومنظمات المجتمع المدني، للمساهمة بالارتقاء بمستوى الأداء الحكومي في المدن.

“حماة تنبض من جديد”

إضافة إلى المبادرات السابقة، أطلقت محافظة حماة حملة “حماة تنبض من جديد”، وتهدف إلى تحقيق “التضافر” في جهود كل من السلطات المحلية والمنظمات والمجتمع المدني والمحلي والأفراد، لإعادة إحياء المحافظة. المسؤول التنفيذي للحملة، الدكتور محمد اسكاف، قال إن المدينة التي خرجت عن سلطة النظام مؤخرًا، تواجه تحديات خدمية وآثارًا مدمرة.

وأضاف لعنب بلدي أن الحملة تسعى إلى “بعث الحياة في شرايين المدينة من جديد”، بحسب تعبيره، من خلال التركيز على ترميم وتطوير كافة القطاعات الخدمية الحيوية. وتتمثل الأهداف الرئيسة لحملة “حماة تنبض من جديد” بستّ نقاط، تعمل الأولى على إعادة تأهيل البنية التحتية الخدمية وترميم وتطوير قطاعات الصحة والتعليم والكهرباء والمياه والصرف الصحي والنظافة.

والنقطة الثانية تتمثل بدعم مبادرات المجتمع المحلي وتوفير الدعم اللازم لها، بينما الثالثة تختص بتنسيق جهودها عبر إنشاء منصة تعاونية لتنظيمها، وتجنب “الازدواجية في العمل”، وفق تعبيره. النقطة الرابعة هي تحديد الأولويات وتوجيه الطاقات وإجراء تقييم شامل للاحتياجات والأولويات الملحة في مختلف القطاعات، لتحقيق أقصى قدر من التأثير في أقصر وقت، أما الخامسة فهي تجميل وتحسين المظهر الحضري للمحافظة من خلال تنفيذ مشاريع في الشوارع والميادين والحدائق.

ويتعلق الهدف السادس ببناء مستقبل مستدام للمدينة ووضع أسس لتعافٍ طويل الأمد، وتمكين المجتمع المحلي من المساهمة الفعالة في بناء مستقبله.

مشاركة المقال: