غصون سليمان: يبقى جبل قاسيون حلماً يراود الزائرين وشعلة لا تنطفئ في الذاكرة. من لم يزر قمته، يفوته الكثير من جمال دمشق. إنه مقصد حضاري وسياحي ومعرفي بامتياز. الكثير كتبوا عن دمشق وقاسيون، وفي هذه السطور، نفتح نوافذ لاستكشاف الخصوصية التاريخية لهذه البقعة من الوطن.
في كتابه "دمشق الشام"، يقدم الدكتور لطفي فؤاد لطفي عرضاً توثيقياً يوضح كيف تحتضن دمشق هذا الجبل المتصل بجبال لبنان غرباً، وجبال القلمون شمالاً وشرقاً، والتي فصلتها مياه دمشق ومنين عن القلمون، ومياه الفيجة عن جبل المزة.
في غوطة دمشق، حيث استقر الإنسان القديم حول مياه بردى، كان جبل قاسيون الموضع الأمثل للحماية.
يشير الدكتور لطفي إلى أن قاسيون شكل مادة للأساطير، حيث نسبوا إليه أماكن للأنبياء، وأضفوا عليه طابعاً دينياً. ففي سفحه سكن آدم، وعلى قمته قتل قابيل هابيل، وفي شرقه ولد إبراهيم الخليل، وفي غربه الربوة التي آوى إليها المسيح وأمه، وفي النيرب سكنت حنا جدة المسيح.
يذكر الدكتور لطفي أن منشآت سبقت الصالحية أقيمت في قاسيون، وهي سبع محلات: دير مران، الربوة، النيرب، أرزة، بيت أبيات، ومقرى الميطور.
دير مران: كانت محلة عامرة تقع أسفل قبة السيار وأعلى بستان "الدواسة". سمي بدير مران لوجود دير بهذا الاسم، ذكره الأصفهاني في الأغاني، ووصفه ابن فضل العمري بأنه على تل في سفح قاسيون، مبني بالجص الأبيض ومفروش بالبلاط الملون، وكانت فيه صورة عجيبة. أقيم فيه مرصد فلكي بين عامي 215-218 هجرية.
الربوة: هي أقدم ما وصل إلينا، حسب الكاتب لطفي. الكتابة التاريخية المنقوشة أسفل جبل قاسيون تفيد بأنها عمرت في أيام المستنصر بالله الفاطمي. الربوة هي أول منفسح الوادي الغربي المؤدي إلى دمشق، حيث ينقسم بردى إلى عدة أنهار: يزيد وثورى شرقاً وشمالاً، والداراني والمزة فالقنوات ثم بانياس غرباً وجنوباً.
توضح سطور الكتاب ما قاله البديري الحلاق، إنه كان في الربوة قصر مرتفع على سن جبل به قاعة لبوابة وطيقان على هيئة الإيوان، تحته نهر ثورى وفوقه نهر يزيد يصعد إليه من سلم حجر، لما عبد طريق دمر طلي بالقار قسم من شعاب الربوة، وذهب قسم من الكتابة الكوفية المنقوشة على الجبل وهي أقدم وثيقه تاريخية منقوشة على الحجر في دمشق.
يذكر البديري أنه كان بها سوقان وبهما صيادو السمك يصطادون والقلايون يقلون، وكان يذبح فيها كل يوم خمسة عشر رأساً من الغنم، وكان بها عشر شرايحية ليس لهم شغل غير الطبخ، وبها فرنان وثلاثة حوانيت لعمل الخبز التنوري، وبها حمام ليس على وجه الأرض نظيره، وللحمام شبابيك شرقية وشماليهدة وقبلية وعدة غرف.
وفي الربوة أيضاً سبعة مقاصف، كل مقصف فيه من الثريات والمصابيح ربما يصعب توصيفه أو لا يحتاج له الوصف، لطالما من يقصدها من الناس و يطلع عليها ليتنزه يوماً فنرى البعض يقيمون بها شهراً.