الأربعاء, 28 مايو 2025 11:40 PM

تحولات مفصلية في العلاقات السورية التركية: تحليل لزيارة الشرع إلى أردوغان وتداعياتها

تحولات مفصلية في العلاقات السورية التركية: تحليل لزيارة الشرع إلى أردوغان وتداعياتها

شهدت العلاقات التركية-السورية تطوراً ملحوظاً مع زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى تركيا، حيث التقى نظيره التركي رجب طيب أردوغان في قصر دولما بهتشة بإسطنبول يوم السبت، 24 أيار/مايو الجاري. ووصفت هذه الزيارة، وهي الثالثة للشرع إلى تركيا منذ توليه السلطة مطلع العام الجاري، بأنها تحمل أهمية استثنائية في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة بالمنطقة. ناقش الطرفان ملفات حيوية تشمل العلاقات الثنائية، رفع العقوبات عن سوريا، إعادة الإعمار، والتحديات الأمنية، خاصة التصعيد الإسرائيلي والوضع في شمال سوريا.

ملفات على الطاولة: أولويات استراتيجية

تضمنت المناقشات عدة ملفات رئيسية، أبرزها دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن مؤسسات الدولة السورية، وهو ملف يحظى بأولوية كبيرة لدى أنقرة التي ترى فيه تهديدًا محتملاً لأمنها القومي. كما ركز اللقاء على تعزيز التعاون في مجالات الطاقة، الدفاع، والنقل، مع التأكيد على دعم تركيا الفني والسياسي لسوريا خلال مرحلة إعادة الإعمار. وأشار أردوغان إلى أن تركيا ستواصل الوفاء بما تقتضيه علاقات “الجوار والأخوة”، مؤكدًا ترحيبه بقرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رفع العقوبات عن سوريا، واصفًا إياه بـ”خطوة مهمة تهيئ الأرضية لعودة الاستقرار”. من جهة أخرى، شكر الشرع أردوغان على دعمه الحاسم لرفع العقوبات، مشددًا على أهمية التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين. كما تم بحث التحديات التي تفرضها إسرائيل، حيث وصف أردوغان الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية بأنها “غير مقبولة”، مؤكدًا استمرار تركيا في رفض هذه الانتهاكات عبر المنابر الإقليمية والدولية.

لماذا تختلف هذه الزيارة؟

يقول الباحث السياسي والمستشار الإعلامي، طه عودة أوغلو: “من دون شك، تُعد هذه الزيارة مختلفة عن سابقاتها خلال الفترة الماضية. هي الزيارة الثالثة من نوعها، لكن يمكن القول إنها جاءت بعد فترة من التبريد أو تجميد في العلاقات بين تركيا وسوريا”. ويضيف عودة أوغلو في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “جاءت هذه الزيارة بعد لقاء جمع رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالن بالرئيس السوري أحمد الشرع، وهو ما أظهر وجود حراك دبلوماسي متبادل، كما تأتي الزيارة بعد أيام من رفع العقوبات عن سوريا، وهو ما يُعد فرصة كبيرة أمام تركيا للعب دور بارز في دعم الإدارة السورية الجديدة، إضافة إلى أنها تزامنت مع تصريحات أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرًا، أكد فيها على ضرورة دمج ‘قوات قسد’ ضمن مؤسسات الدولة السورية الجديدة”. ويتابع عودة أوغلو: “لهذا السبب، فإن هذه الزيارة لا تُعد زيارة عادية، بل هي زيارة في غاية الأهمية، ترسم ملامح مرحلة جديدة في العلاقات التركية-السورية. وإذا كان الحديث عن تحالف استراتيجي بين البلدين سابق لأوانه، فإن التعاون بينهما أصبح واقعًا في العديد من المجالات؛ السياسية والعسكرية والأمنية والتعليمية وغيرها، وبالتالي، يمكن اعتبار هذه الزيارة لبنة أساسية في بناء علاقة جديدة بين أنقرة ودمشق، قائمة على الشراكة والتعاون في مختلف المجالات”.

ملف قسد والتحديات الأمنية

يبرز ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) كأحد أبرز القضايا التي نوقشت خلال اللقاء. ويرى أوغلو أن “الملف الأبرز بالنسبة للجانب التركي هو ملف ‘قوات قسد’. هناك حرص تركي على التعامل مع هذا الملف بشكل أكبر خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد ما يمكن تسميتها ‘شبه تفاهمات’ حول طبيعة الحل السياسي في سوريا، وكذلك فيما يتعلق بالتسوية الكردية داخليًا في تركيا.” وفي هذا السياق، أشار الشرع في تصريحات سابقة إلى ترك مجال للتفاوض مع قسد، مؤكدًا أن سوريا لن تسمح بوجود سلاح خارج سلطة الدولة أو بتقسيم أراضيها. من جانبه، يقول المحلل السياسي المختص بالعلاقات الدولية، محمود علوش في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “إن الزيارة الأخيرة كانت ذات أهمية متعددة الأبعاد، من جهة، تسعى تركيا إلى تركيز الرئيس أحمد الشرع على معالجة ملف ‘قسد’، وتعتبر أن الظروف المناسبة لذلك أصبحت متوافرة إلى حد كبير. وتؤكد أنقرة على ضرورة أن تكون أي معالجة لهذا الملف غير متعارضة مع مصالحها، أما من ناحية أخرى، فإن التصورات المتعلقة بحل هذا الملف يجب ألا تتناقض مع متطلبات سوريا الجديدة، والتي تتطلب دولة مركزية قوية وخالية من التنظيمات الإرهابية التي قد تهدد الأمن الإقليمي”.

إعادة الإعمار ودور تركيا

تأتي الزيارة في أعقاب رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن سوريا، مما يفتح آفاقًا جديدة لإعادة الإعمار. ويرى علوش أن “تركيا تعطي أولوية كبيرة لأن يكون لها دور بارز في دعم سوريا خلال مرحلة ما بعد العقوبات، باعتبار أن هذه المرحلة ستفتح آفاقًا جديدة للاستثمارات وجذب الدول الراغبة في المشاركة في عملية إعادة الإعمار، خصوصًا في المجالات المؤسسية والعسكرية والأمنية. وتشير تقارير إلى أن تركيا بدأت بتقديم دعم عسكري وأمني واقتصادي، بما في ذلك خطط لإنشاء قواعد جوية تركية في وسط سوريا وتدريب الجيش السوري الجديد. كما يبرز ملف اللاجئين كتحدي مشترك، حيث أعلن نائب الرئيس التركي جودت يلماز عن عودة طوعية لنحو 145,639 لاجئًا سوريًا من تركيا إلى بلادهم منذ بداية عهد الشرع، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 3.5 ملايين خلال 2025، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، حيث تفرض هذه العودة تحديات تتعلق بتأمين الخدمات وإعادة الإعمار في مناطق العودة.

تحولات جيوسياسية وتحديات إسرائيلية

تكتسب الزيارة أهمية إضافية في ظل التغيرات الجيوسياسية بالمنطقة، خاصة مع التصعيد الإسرائيلي المستمر ضد سوريا. ويرى علوش أن “هذه الزيارة تأتي في ظل تحولات ملحوظة في الموقف الأمريكي من سوريا، وكذلك في منطقة الشرق الأوسط عمومًا. كما تأتي في ظل التحديات المستمرة التي تفرضها إسرائيل على سوريا، في ظل وجود مسار تفاوضي قائم بين تركيا وإسرائيل”. وتشير تقارير إلى أن اللقاء ناقش “التقدم الفني في الحوار التركي-الإسرائيلي بشأن سوريا”، مما يعكس تعقيد الديناميكيات الإقليمية.

ما وراء الزيارة؟

تؤشر هذه الزيارة إلى طموح تركيا لتعزيز دورها كلاعب إقليمي رئيسي في سوريا، خاصة بعد سقوط نظام الأسد السابق في كانون الأول/ديسمبر 2024 وصعود قيادة جديدة بقيادة الشرع. ومع وجود حراك دبلوماسي مكثف، بما في ذلك لقاءات سابقة بين الشرع ومسؤولين أمريكيين وسعوديين، يبدو أن الزيارة تهدف إلى ترسيخ تحالف إقليمي جديد يدعم استقرار سوريا ويعزز مصالح تركيا في المنطقة.

مشاركة المقال: