أكدت منظمة العفو الدولية أنه بعد ستة أشهر من سقوط حكومة بشار الأسد، لا يزال الناجون من التعذيب في سجون النظام، بما في ذلك سجن صيدنايا العسكري سيئ السمعة، يعانون من آثار جسدية ونفسية مدمرة، وسط غياب شبه كامل للدعم.
في اليوم الدولي لدعم ضحايا التعذيب، دعت المنظمة مع جمعيات الناجين إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لضمان حق الضحايا في التعويض وإعادة التأهيل وتحقيق العدالة. وأشارت إلى التزام الحكومة السورية بضمان حقوق ضحايا التعذيب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في معرفة الحقيقة والعدالة والتعويض.
كما دعت منظمة العفو الدولية الحكومات المانحة إلى توفير تمويل عاجل للمجموعات التي يقودها الناجون والجمعيات العائلية والبرامج المخصصة لدعم ضحايا التعذيب.
وقالت بيسان فقيه، مسؤولة حملات في منظمة العفو الدولية، إن قصص التعذيب والاختفاء القسري والشنق الجماعي في مراكز الاحتجاز بسوريا أثارت الرعب لسنوات، وأنه من غير المعقول أن يواجه الناجون صعوبة في الحصول على العلاج الطبي والنفسي العاجل.
وأكدت فقيه على أن الحكومة السورية تواجه تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة، ولكن يجب عليها ضمان إحالة جميع المشتبه في مسؤوليتهم عن التعذيب إلى العدالة في محاكمات عادلة أمام محاكم مدنية عادية، فورًا ودون تأخير.
وفي الإعلان الدستوري، حظرت الحكومة السورية ممارسة التعذيب واعتبرته جريمة لا تسقط بالتقادم، وأنشأت الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية لتقود جهود المساءلة، وأجرت بعض المشاورات مع الناجين. وفي اجتماع عُقد في مايو/أيار، أخبر وزير الداخلية منظمة العفو الدولية أن أسوأ السجون سمعةً، بما فيها سجنَي صيدنايا العسكري وفرع فلسطين، لن تستخدم أبدًا كسجون مرة أخرى.
وفي الشهر الماضي، التقت منظمة العفو الدولية بعدد من الناجين وبجمعيات ومنظمات مجتمع مدني معنية بشؤونهم، واستمعت إلى مطالبهم، والتي شملت ضمان المشاركة الفاعلة والمجدية للناجين وأسر الضحايا، وتقديم تعويضات شاملة تلبي احتياجاتهم، مثل الدعم الجسدي والنفسي العاجل، إلى جانب تحقيق المساءلة عن الجرائم التي ارتكبت بحقهم.
وأشارت المنظمة إلى أن سنوات التعذيب والظروف غير الإنسانية خلفت آثارًا صحية جسيمة على المحتجزين السابقين، حيث يعاني العديد منهم من السل ومشاكل صحية أخرى في العيون والمفاصل والأعصاب، بالإضافة إلى الأسنان المكسورة وأعراض اضطراب ما بعد الصدمة.
وشددت بيسان فقيه على حاجة الناجين إلى الدعم الطبي والنفسي والاجتماعي والقانوني الفوري، ودعت الدول المانحة إلى إعادة تمويل أو زيادة تمويلها المقدم لمجموعات الناجين ومنظمات المجتمع المدني والبرامج التي تدعم الناجين، بدلًا من تقليص المساعدات الخارجية أو وقفها تمامًا.
وأطلقت مجموعات يقودها ناجون تحذيرات بشأن الفجوات الكبيرة في الدعم، لا سيما عقب الإفراج الجماعي عن المحتجزين بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وقال مهند يونس، من مبادرة تعافي، إن توقف التمويل تزامن مع إطلاق سراح الأشخاص من مراكز الاحتجاز، ما أدى إلى فقدان المبادرة 60% من تمويلها بسبب تعليق المساعدات الخارجية الأمريكية، مما حدّ بشكل كبير من قدرتها على دعم الناجين.
من جهته، قال دياب سرية من رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، إن التقليص العام في التمويل الأمريكي والأوروبي سيؤدي بلا شك إلى تفاقم معاناة الضحايا، مؤكدًا أن خدمات الصحة النفسية ليست رفاهية بل ركيزة أساسية لتعافي الناجين وإعادة إدماجهم في المجتمع.
وأكدت منظمة العفو الدولية أن الناجين يعجزون عن الحصول على الرعاية الطبية الضرورية أو يواجهون صعوبات بالغة في ذلك، في بلد تهاوى فيه جزء كبير من النظام الصحي.
وأوضح عبد المنعم الكايد، أحد الناجين من سجن صيدنايا، أن الناجين حاولوا جمع مبالغ مالية لدعم المحتاجين إلى الرعاية الطبية، مشيرًا إلى أن الاستجابة لحالات السل سريعة، إلا أن بقية الاحتياجات الطبية لا تلق اهتمامًا.
وأكدت سميرة شوربة من تجمع الناجيات على الحاجة لإجراء فحوص طبية شاملة لتقييم الآثار الصحية طويلة الأمد على أجساد المحتجزين، مشيرة إلى أن الحاجة إلى الدعم النفسي لا تقل أهمية عن الرعاية الطبية، لكنها تظل شبه معدومة.
وشدد الناجون وشبكاتهم على أن من يخرجون من مراكز احتجاز النظام السوري يحتاجون إلى دعم خاص ومراعٍ للصدمات النفسية ليعيشوا حياة كريمة.
وأجمع الناجون الذين قابلتهم منظمة العفو الدولية على أن المساءلة شرط أساسي لتعافيهم، وطالبوا بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وتعويض الضحايا.
وأوضح يونس أن التعويضات لا تقتصر على التعويضات المالية، بل تشمل جبر الخاطر ورد الاعتبار للكرامة الإنسانية.
وأكدت المنظمة على أن جهود معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة والحصول على التعويض يجب أن تشمل حقوق جميع الضحايا، بمن فيهم من تعرضوا لانتهاكات على يد جماعات المعارضة المسلحة السابقة.
ووثقت منظمة العفو الدولية على مدى عقود استخدام القوات الحكومية السورية للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب كأدوات لقمع المعارضة، مشيرة إلى أن التعذيب استُخدم كجزء من هجوم واسع وممنهج ضد السكان المدنيين، بما يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
وقدَّر عدد المختفين قسرًا في سوريا بأكثر من 100,000 شخص، غالبيتهم العظمى على يد القوات الحكومية. كما وثقت المنظمة حالات اختطاف وتعذيب وإعدام بإجراءات موجزة نفّذتها جماعات المعارضة المسلحة السابقة في حلب وإدلب. وفي 2024، وثقت منظمة العفو الدولية كيف احتجزت سلطات الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا عشرات الآلاف بشكل تعسفي، وأبقت العديد منهم في ظروف غير إنسانية وعرضتهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.