تعود جذور العقوبات الأمريكية على سوريا إلى خمسة عقود مضت، وإزالتها قد تستغرق سنوات أخرى، مما يجعلها من بين أقوى الإجراءات التي تؤثر سلبًا على الاقتصاد المحلي والمعيشة اليومية للسوريين. بدأت هذه السلسلة من العقوبات في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، نتيجة لسياساته التي أدت إلى ضغوط اقتصادية، بالإضافة إلى القمع الأمني والسياسي والعسكري.
على الرغم من تأثيرها السلبي، يرى الخبراء أن هذه العقوبات ليست السبب الوحيد للانهيار الاقتصادي، بل يرجع ذلك أيضًا إلى الفشل الإداري والاستبداد والحكم الدكتاتوري الذي يتجاهل الكفاءات ويحتكر القرارات. ومع ذلك، استخدم النظام هذه العقوبات كمبرر لارتفاع معدلات الفقر، بينما تمكن رموزه من جمع ثروات ضخمة وإيداعها في الخارج.
وفقًا لدراسة لمركز جنيف للسياسة الأمنية، بدأ الخط الزمني الفعلي للعقوبات الأمريكية في عام 1979، عندما أدرجت واشنطن سوريا على قائمة "الدول الراعية للإرهاب". تبع ذلك قيود على المساعدات الأمريكية، وحظر بيع الأسلحة، وضوابط مشددة على معاملات البنوك الأمريكية مع الحكومة السورية والكيانات التابعة لها، بالإضافة إلى عقوبات على مسؤولين وكيانات حكومية.
من جانبها، فرضت المجموعة الاقتصادية الأوروبية حزمة عقوبات في نوفمبر 1986، شملت حظر بيع الأسلحة، وحظر الزيارات رفيعة المستوى، ومراجعة موظفي السفارات والقنصليات، وتدابير أمنية مشددة على الخطوط الجوية السورية. لكن هذه التدابير أُلغيت في عام 1994.
استمرت سياسات الأسد الأب والعقوبات الأمريكية حتى عام 2000، عندما خلفه بشار الأسد، الذي استمر في نفس النهج، مما عرض البلاد لمزيد من الفقر، بينما جمع هو وأركان نظامه ثروات طائلة.
فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة في عام 2004 بسبب دعم بشار الأسد للمحور الإيراني في العراق ولبنان وتحالفه مع حزب الله. اتهمته إدارة جورج بوش الابن بحيازة أسلحة دمار شامل.
في عام 2005، أقر الكونغرس الأمريكي "قانون محاسبة سوريا" بسبب السماح للميليشيات الإيرانية باستخدام أراضيها. تضمن القانون قيودًا على تصدير السلع الأمريكية إلى سوريا، باستثناء الغذاء والدواء، ومنع شركات الطيران السورية من السفر إلى الولايات المتحدة، وتوسيع العقوبات على مسؤولين سوريين.
لكن استيراد السلع من سوريا، بما في ذلك المواد النفطية، والمعاملات المصرفية معها، والاستثمارات الأمريكية في سوريا، بقيت خارج نطاق العقوبات.
مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، ورفض النظام الاستجابة لمطالب السوريين، بدأت إجراءات واسعة عربيًا وغربيًا للضغط عليه، عبر قطع العلاقات وسحب السفراء وفرض العقوبات. أعلنت دول مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا وسويسرا وجامعة الدول العربية عن عقوبات دبلوماسية واقتصادية بسبب القمع والانتهاكات.
مع عدم استجابة النظام، تصاعدت العقوبات الأمريكية، حيث أصدر الرئيس أوباما أوامر بتجميد ممتلكات المتورطين في الانتهاكات وحظر قطاع النفط وتجميد الأصول المالية لعدد من الشخصيات والدولة السورية نفسها، وحظر تصدير السلع والخدمات من الولايات المتحدة إلى سوريا.
حظر الاتحاد الأوروبي التعامل مع قطاع النفط السوري بالكامل، ومنعت أستراليا مواطنيها من إجراء معاملات متعلقة بالأسلحة والنفط والغاز الطبيعي والمعادن الثمينة والبتروكيماويات والمواد السامة والشراكات المصرفية مع الشركات العاملة في سوريا.
في نهاية عام 2011، جمدت جامعة الدول العربية الأصول المالية للحكومة السورية، وأوقفت المبادلات المالية مع البنك المركزي السوري، والرحلات الجوية بين الدول الأعضاء وسوريا، ومنعت إقامة عدد من الشخصيات السورية، وأوقفت الاستثمارات في سوريا.
في عام 2012، اتخذ الاتحاد الأوروبي تدابير أخرى تتعلق بقطاع الطاقة وإمدادات الأسلحة والقطاع المالي والتعدين، وجمد الأصول المالية لـ 120 مسؤولاً أو مؤسسة سورية وحظر سفرهم إلى الاتحاد. شمل الحظر الأوروبي تجارة السلع الكمالية، وعزز القيود المفروضة على التسلح وإنفاذ القانون ومراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية.
أصدرت الولايات المتحدة أمرين رئاسيين في ذلك العام، فرضت بموجبهما عقوبات إضافية على الأفراد والشركات الأجنبية التي تحاول التهرب من العقوبات الأمريكية.
وفقًا لدراسة لمركز كارتر، انضمت العديد من الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد سوريا في صيف عام 2012.
تم تشديد العقوبات الأمريكية في ربيع عام 2017، حيث فرضت واشنطن تجميدًا ماليًا وحظرًا للسفر على الخدمات المالية ضد 270 موظفًا حكوميًا، ردًا على هجوم خان شيخون الكيميائي.
تحولٌ مفصلي
بقيت العقوبات الأمريكية "ثانوية" و"محدودة" حتى نهاية عام 2019 وبداية عام 2020، عندما أقر الكونغرس الأمريكي قانون "حماية المدنيين السوريين" المعروف بقانون قيصر، والذي شكل تحولًا كبيرًا في العقوبات الأمريكية على سوريا، بسبب توسيع إطار العقوبات لتشمل المتعاملين مع النظام أيضًا، مما أدى إلى مزيد من التأثير السلبي على الوضع المعيشي وارتفاع معدلات الفقر والجوع، مع انهيار اقتصادي شبه كامل، على الرغم من الدعم المقدم من المنظمات الدولية.
أعلن الرئيس ترامب في 13 مايو 2025، عزمه رفع جميع العقوبات عن الحكومة السورية، لكن الآلية لم تحدد بعد، ويرجح خبراء أن يحتاج الرفع الكامل سنوات.