السبت, 10 مايو 2025 08:11 AM

خطر صامت يهدد استقرار الأوطان: الانقسام المجتمعي وتآكل الوحدة الوطنية

حين نفكر في أخطار تهدد الأوطان يتبادر إلى الذهن أول ما يتبادر: العدوان الخارجي، التفكك الجغرافي أو حتى الانهيار الاقتصادي. لكن هناك خطراً أكثر هدوءً، أكثر خفاءً وأكثر فتكاً… الانقسام المجتمعي.

إنه الشرخ الصامت الذي ينمو في أعماق المجتمع ويقوّض أسس التعايش دون أن يقرع أجراس الإنذار. الانقسام المجتمعي ليس مجرد خلاف في الرأي، بل هو فقدان الثقة بين مكونات الوطن الواحد. هو حين تتحول الفوارق الدينية، أو المذهبية، أو العرقية، أو الطبقية، من فسيفساء غنى وتنوع، إلى متاريس عزل واستبعاد.

وهنا يكمن الخطر الأكبر: أن يتحوّل التنوع إلى صراع، والتعدد إلى خصومة. وقد نبّه القرآن الكريم إلى هذا مبكراً حين قال: “واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا”. كأن الانقسام ليس فقط ضعفاً سياسياً أو اجتماعياً، بل هو انحراف عن المسار الإلهي، وخروج عن جوهر التكافل الإنساني.

إن المجتمعات لا تنهار بالضربة القاضية، بل تسقط بالتراكم. كل تجاهل لمظلمة، كل تمييز غير معلن، كل إقصاء مقنّع، هو حجر يُنزع من أساس البناء الوطني. ومع كل غياب للعدالة يتراجع الشعور بالانتماء ويعلو صوت الهوية الجزئية على صوت الهوية الجامعة. وقد حذّر النبي صل الله عليه وسلم حين قال: لا تباغضوا، ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً، في دعوة صريحة لتأسيس العلاقة المجتمعية على المحبة لا التنافر.

لقد بيّن التاريخ، والفكر، والفلسفة أن الدولة التي تفشل في صيانة نسيجها الاجتماعي، تُصبح مجرد جهاز إداري يتحكم في أجساد الناس، لا في قلوبهم. الدولة العادلة ليست تلك التي تُعطي الجميع بالتساوي، بل التي تُنصف الجميع بحكمة. والعدالة هنا ليست رفاهاً، بل شرطاً للوجود المشترك. ومن هنا نفهم قول الله: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. فالوحدة لا تُطلب من أجل الجَمال فقط، بل من أجل البقاء والقدرة على الصمود.

على الحكومة وكل مؤسسات الدولة وعلى عقلاء المجتمع ومثقفيه ونشطائه أن يتحركوا بوعي عميق، لا كردّ فعل أو خوف من انفجار. علينا أن نطرح السؤال المؤلم: لماذا يتسع هذا الشرخ؟ وما الذي يمنعنا من رأب الصدع؟ إن الإقرار بالمشكلة ليس ضعفاً بل بداية الحل. الحوار الحقيقي لا يقوم على منبر واحد بل على طاولة مستديرة، والمصالحة لا تعني النسيان بل الاعتراف المتبادل والنية الصادقة في التغيير. أما الوقت، فهو العدو الأول، لأن كل تأخير في الفعل يُعمّق الجرح.

إن إنقاذ الوطن لا يكون فقط بحمايته من الخارج، بل بترميم وحدته من الداخل. فليس أخطر على وطن من أن يُقسمه أهله، ولو ظلّت خريطته موحدة. وحين نفقد الرابط الاجتماعي لن تنفعنا الحدود ولا الشعارات. وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار، ليؤكد أن النجاة والبقاء في الجماعة، لا في الانفراد والانعزال. الوطن ليس مكاناً نعيش فيه فقط بل علاقة مع من نعيش معهم.

مشاركة المقال: