الثلاثاء, 18 نوفمبر 2025 06:03 PM

الاقتصاد السوري: من أداة سياسية إلى مرآة للواقع وتحديات المرحلة الانتقالية

الاقتصاد السوري: من أداة سياسية إلى مرآة للواقع وتحديات المرحلة الانتقالية

لم تعد أزمة الأسعار وتقلبات الدعم هي المحدد الوحيد للمشهد السوري الراهن. التوتر الذي يشهده الشارع اليوم يعكس تحولاً أعمق يتجاوز الإجراءات المالية، ليصل إلى إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع. فالاقتصاد، الذي كان في الماضي أداة لتحقيق الاستقرار السياسي، يسعى اليوم إلى استعادة دوره الطبيعي كمرآة تعكس الواقع بدلاً من أن يكون امتداداً للسلطة، كما يرى د. سلمان ريا.

على مدى أكثر من ستة عقود، نشأت منظومة اقتصادية لا تخضع لمنطق السوق، بل لمنطق السياسة. تحول الأجر في القطاع العام إلى ضمانة للولاء بدلاً من كونه مكافأة للإنتاج، وأصبحت الأسعار وسيلة لتهدئة المجتمع بدلاً من أن تعكس التكلفة الحقيقية. وفي ظل هذا البناء، تشكل وعي جمعي يعتبر "السعر المعقول" التزاماً أبوياً أكثر منه قاعدة اقتصادية. كان الاستقرار في جوهره استقراراً مُداراً سياسياً، تم شراؤه بالجمود ودفع ثمنه من خلال تأجيل النمو واقتصاد مُنهك.

اليوم، ومع تفكك هذا النموذج، يجد السوريون أنفسهم أمام انتقال قاسٍ من اقتصاد رعائي مألوف إلى سوق مفتوحة تفتقر إلى الضمانات المؤسسية. ليس الحنين إلى الاشتراكية هو ما يحرك الشارع، بل القلق من قفزة غير مهيأة ومن فراغ بين نظام يجري تفكيكه وآخر لم تُبنَ هياكله بعد. إن الانتقال من حقوق مؤكدة، حتى وإن كانت متآكلة، إلى فرص مفتوحة دون شبكة أمان يشبه المشي في أرض جديدة بلا خرائط.

تتجاهل السياسات الاقتصادية الحالية أن التغيير ليس مجرد إجراء تقني، وأن المجتمع الذي اعتاد على وجود الدولة كفاعل أوحد في حمايته لن يثق بسهولة بسوق تفرض عليه قواعدها فجأة. الفرد الذي حُمي لسنوات من مخاطر السوق يواجه اليوم حرية تأتي دون ضمانات ودون رؤية مقنعة لشكل المستقبل.

لذا، فإن الخطأ الأكبر في أي إصلاح اقتصادي هو فصله عن السياسة. فالسؤال ليس كيف نرفع الدعم؟ بل كيف نضمن عدالة الانتقال؟ من يتحمل الكلفة؟ ومتى يبدأ المواطن بالشعور بفوائد الإصلاح؟ بدون هذه الإجابات، ستظل الإجراءات الاقتصادية معلقة في الفراغ، وستبقى الثقة – وهي رأس المال الأخطر – ناقصة.

إن مواجهة هذه اللحظة تتطلب مقاربة وطنية جديدة: عقداً اجتماعياً يوازن بين تحرير الاقتصاد وحماية المجتمع، يستبدل الدعم العشوائي بشبكات أمان ذكية، ويعيد تعريف الأجر بوصفه ثمراً للإنتاج والسعر بوصفه مؤشراً للواقع لا أداة للتهدئة. مقاربة تخرج الدولة من دور "المعيل الشامل" إلى دور "الضامن العادل"، وتشرك المجتمع في القرار بدلاً من الاكتفاء بإبلاغه بالنتائج.

فالاقتصاد، حين يطرق باب السياسة، لا يبحث عن أرقام جديدة بل عن شرعية جديدة. والشرعية اليوم تُبنى على المصارحة وعلى العدالة في توزيع أعباء التغيير وعلى رؤية تُشعر الناس بأن الإصلاح مشروع وطني لا مجرد برنامج مالي.

إن مستقبل الاقتصاد السوري لن يُصنع في الوزارات وحدها، بل في المساحة التي يلتقي فيها القرار السياسي بالثقة الشعبية. وهناك فقط يبدأ التحول الحقيقي. (أخبار سوريا الوطن-1)

مشاركة المقال: