الأربعاء, 5 نوفمبر 2025 04:45 PM

إيلون ماسك يطلق «غروكيبيديا» لمنافسة «ويكيبيديا» متهمًا الأخيرة بالتحيز

إيلون ماسك يطلق «غروكيبيديا» لمنافسة «ويكيبيديا» متهمًا الأخيرة بالتحيز

أطلق الملياردير إيلون ماسك في 27 تشرين الأول (أكتوبر) مشروع «غروكيبيديا»، وهي موسوعة رقمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، بهدف منافسة «ويكيبيديا» التي يتهمها اليمين الأميركي بالتحيز نحو اليسار.

جاء هذا الإعلان عقب سلسلة من الانتقادات التي وجهها ماسك للموسوعة، معتبراً أنها فقدت موضوعيتها وتحولت إلى منبر أيديولوجي. وقد تم اختيار اسم «غروكيبيديا» اشتقاقاً من «غروك»، وهو الذكاء الاصطناعي الذي أطلقته شركة xAI التابعة لماسك.

في أيلول (سبتمبر) الماضي، أعلن ماسك أن شركته «إكس إيه آي» تعمل على بناء موسوعة رقمية جديدة، وذلك بعد نقاش مع المسؤول الأميركي ديفيد ساكس في بودكاست All-In حول كيفية استخدام نظام «غروك» لبيانات «ويكيبيديا» ومصادر أخرى لفهم العالم. وقد شبّه موقع «غيزمودو» هذا المشروع بمحاولة سابقة أُطلقت عام 2006 تحت اسم «كونسرفابيديا».

في عام 2023، قال ماسك ساخراً إنه سيتبرع بمبلغ مليار دولار لـ«ويكيبيديا» إذا غيرت اسمها إلى Dickipedia. وقبل ذلك وبعده، استمر في توجيه الاتهامات للموسوعة، ووصل به الأمر إلى تسميتها «موسوعة ثقافة اليقظة» Wokepedia.

أي بحث بسيط على «غروكيبيديا» عن الملف الفلسطيني يكشف سريعاً توجه هذه الموسوعة نحو السردية الإسرائيلية. وفي هذا السياق، عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مراراً عن استيائه من «ويكيبيديا»، خاصة خلال الأحداث الأخيرة. وتتخذ الهجمة اليمينية على المجال الرقمي اليوم شكلاً غير مسبوق، خاصة مع الإدارة الأميركية الحالية، التي بدأت بتغيير قواعد اللعبة في الفضاء الإلكتروني بسرعة ملحوظة.

في الداخل الأميركي، ألغت إدارة الرئيس دونالد ترامب أي توجه لإعادة تفعيل قواعد حياد الشبكة أو دعم الشفافية الرقمية، مستعيدةً خطاب «تحرير المنصات من قبضة الدولة» عبر قرارات تنفيذية تبدو ظاهرياً دفاعاً عن حرية التعبير، ولكنها في جوهرها تقلل من مستوى الحماية التي اكتسبها المستخدمون في السنوات الماضية.

البحث عن الملف الفلسطيني على «غروكيبيديا» يظهر تبنيها للسردية الإسرائيلية.

في الوقت نفسه، كشفت شركات التكنولوجيا الكبرى عن تحولات موازية تدعم هذا المناخ الجديد: فقد حذفت غوغل أرشيفاً كاملاً من الإعلانات السياسية التاريخية في الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ جمعه منذ عام 2018، مما يعني إزالة أداة أساسية كانت تستخدم لرصد كيفية توجيه الحملات الرقمية وتأثيرها في الناخبين.

كان هذا الأرشيف يمثل ذاكرة سياسية رقمية توثق مسارات التمويل وأشكال الخطاب المستهدف، وحذفه يحرم الصحافيين والباحثين من تتبع أنماط التضليل أو نفوذ رأس المال في المجال العام. وبهذه الخطوة، تربح الشركات مزيداً من السيطرة على الذاكرة الرقمية، بينما يخسر الجمهور والفاعلون المستقلون القدرة على المساءلة.

إن ما يحدث هو انتقال جذري في مركز الثقل المعرفي على الإنترنت: من منصات مفتوحة المصدر تعرض المحتوى تحت رخصة المشاع الإبداعي إلى منصات «معرفة» مملوكة من عمالقة عالم التقانة، يريدون عبرها «تطهير» الإنترنت من كل ما يخالف رؤيتهم.

«غروكيبيديا» مشروع أيديولوجي قبل أن يكون تقنياً. تتحرك المنصة داخل سياق سياسي واضح، وتُدار بعقلية تسعى إلى إعادة توجيه المعرفة باتجاه يميني محافظ. يدفع ماسك بمنصة توظف الذكاء الاصطناعي لإنتاج سرديات مُبرمجة، فتتحول مهمة الموسوعة من تجميع المعرفة إلى إعادة تشكيلها بما يخدم تصوراً واحداً للواقع.

عبر هذا النموذج، تدخل الشركات التكنولوجيا الكبرى مرحلة جديدة تتجاوز دور الوسيط إلى دور «المُشرّع المعرفي»، أي أنهم قفزوا فوق دور الناشر إلى دور الواعظ والموجه. ولكي تعتقد تلك الشركات أن باستطاعتها أن تفعل ذلك، يعني أن الدور التقليدي الذي كانت منوطة به لم يعد نفسه. وإذا كان العالم فعلاً متجهاً نحو «الديموقراطية الرقمية» التي ينظر لها عدد من الأساتذة الجامعيين، فهذا يوجب كف يد الشركات الأميركية الكبرى التي منذ حدثت منظومتها التكنولوجية بالذكاء الاصطناعي عادت تساورها أطماع المستعمرين الأوائل.

من يملك اليوم القدرة على التحكم بالحقيقة في عصر «الموسوعات المؤدلجة»؟ الشركات الكبرى ورجال الأعمال والممولون الذين يملكون التكنولوجيا والبيانات. يكتبون التاريخ كما كتبه أجدادهم الغزاة. الخوارزمية غربية، هذا واقع الحال. غير أن منطق الأمور يقول إن التكنولوجيا الحاسوبية صارت في مرتبة يتحتم الإشراف عليها أقله عبر القانون الدولي، بمشاركة كل الأطراف. المقاومة اليوم صارت رقمية.

مشاركة المقال: