الأربعاء, 29 أكتوبر 2025 09:44 PM

«الدليل إلى البرازيل»: نظرة على معاناة وتحديات المهاجرين السوريين الأوائل

«الدليل إلى البرازيل»: نظرة على معاناة وتحديات المهاجرين السوريين الأوائل

يوثق كتاب «الدليل إلى البرازيل» للمؤلف جرجي توما الخوري، ظاهرة الهجرة السورية إلى البرازيل منذ القرن التاسع عشر، من خلال سرد يمزج بين التجربة الشخصية والبحث التاريخي. يتناول الكتاب معاناة المهاجرين الأوائل، واستغلال رجال الدين للفلاحين، وتأثير الهجرة على تفريغ القرى السورية واللبنانية من شبابها، مع تسليط الضوء على الأسباب الجذرية للفقر والاستبداد التي دفعتهم إلى الهجرة.

نُشر الكتاب لأول مرة عام 1905، ويقوم الباحث والناشر بدر الحاج بإعادة نشره، مع مقدمة كاملة يوضح فيها أنه عثر على هذا الكتاب النادر ضمن مجموعة من الكتب المطبوعة في مصر وبلاد الشام والعراق، والتي تلقتها كهدية من السيدة ناديا قربان، التي كانت تقوم ببيع وتصفية محتويات منزلها في ضهور الشوير قبل عودتها إلى المهجر في الولايات المتحدة الأميركية. ورأى أنه جدير بإعادة النشر لما يحتويه من معلومات قيمة تستند إلى مشاهدات المؤلف حول الهجرة السورية إلى البرازيل.

يشير الحاج إلى اهتمامه بموضوع الهجرة، كونه ولد في قرية في شمال لبنان، حيث هاجر معظم سكانها، بمن فيهم أقاربه، إلى القارة الأميركية، وانتشروا في بلدان مثل كوبا والأرجنتين والأوروغواي والبرازيل. ويتذكر كيف كانت رسائلهم إلى عائلاتهم قليلة ومكتوبة بلغة عربية ركيكة، وكيف كان يطلب منه قراءة هذه الرسائل للنساء اللاتي كن يبكين على فراق أحبائهن، وكتابة الردود عليها.

ويذكر الحاج كيف أن الهجرة كانت نعمة ومصدر ثروة لبعض رجال الدين الذين كانوا يسيطرون على عقول الفقراء الفلاحين، وكيف كانوا يستغلون جهلهم للحصول على وكالات غير قابلة للعزل على أراضي المهاجرين.

ويشير الكتاب إلى أن الهجرة السورية بدأت نحو عام 1790 بوصول أنطون إلياس لبّس إلى البرازيل، الذي افتتح محلاً تجارياً في ريو دو جنيرو، وأصبح لاحقاً صاحب مساحات واسعة من الأراضي. وفي مطلع القرن التاسع عشر، أصدر الملك جوان الرابع مرسوماً بمنح الأراضي للأجانب، مما أدى إلى تدفق المهاجرين، وخاصة من أوروبا. وأصبحت البرازيل وجهة للمهاجرين السوريين، خاصة بعد زيارة الإمبراطور البرازيلي دون بدرو الثاني إلى مصر والأراضي المقدسة.

ويوضح الكتاب أن الهجرة السورية الكثيفة إلى البرازيل بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكانت بمنزلة نزيف مستمر للبلاد بسبب الحروب الأهلية والاضطهاد العثماني وتدهور الأوضاع الاقتصادية.

ويشير الكتاب إلى أن الهجرة شكلت عاملاً أعاق تطور سوريا، وتصاعدت بعد الحرب الأهلية عام 1860 والإعلان عن قيام المتصرفية في جبل لبنان، حيث انعدم الأمن وأصبحت حياة المواطنين مهددة.

ويذكر الكتاب أن الموجة الأولى من المهاجرين توجهت بعد عام 1860 إلى مصر، حيث وجد السوريون وظائف في الحكومة المصرية، ومارسوا التجارة والمهن والصحافة والعمل الثقافي.

ويقدم الكتاب نبذة عن المؤلف جرجي توما الخوري، الذي ذكر في مقدمة كتابه أنه نشره حباً بالسياحة واستطلاعاً لأحوال المهاجرين والبلدان التي هاجروا إليها، وكشف عن مساوئ الهجرة والأهوال التي واجهها المهاجرون الأوائل.

ويصف المؤلف رحلته من بيروت إلى البرازيل على متن سفينة إيطالية، ويعرض مشاهداته في مرافئ المدن التي رست فيها السفينة، مثل حيفا وعكا ويافا وبور سعيد والإسكندرية ومسينا ونابولي. ويتحدث عن العبور في مضيق جبل طارق ثم الإبحار في المحيط الأطلسي نحو البرازيل.

ويروي المؤلف أخباراً عن الورطة التي يواجهها كثير من المهاجرين الفقراء الذين لا يملكون المال لشراء الغذاء، وكيف كانوا يُمنعون من السفر لعلة ما، ويضطرون إلى انتظار وصول المال من أقاربهم.

ويصف المؤلف يوم وصول السفينة إلى ريو دو جنيرو، ويتحدث عن تهنئة المهاجرين السوريين بعضهم بعضاً بسلامة الوصول، وكيف بدؤوا بغناء أنشودة الميجانا. ويشير إلى أن المصاعب لم تنته بالوصول إلى البرازيل، حيث كان كل ثلاثة مهاجرين يسكنون في غرفة واحدة غير صحية.

ويوضح الكتاب أن معظم المهاجرين السوريين انصرفوا إلى حرفة تجارة «الكشة»، التي كان يحملها المهاجر على ظهره من الشروق إلى الغروب. ويشرح المؤلف بالتفصيل ما كان يواجهه الباعة المتجولون من مصاعب مع الزبائن ومزودي السلع، ووعورة الطرقات في الأدغال والمناخ المتقلب والوحوش الضارية والأفاعي.

ويروي المؤلف انتشار الشائعات بين البرازيليين التي تتهم المهاجرين السوريين بأكل لحوم البشر، وكيف تضررت تجارة الكشة نتيجة لذلك.

وينتقل المؤلف إلى الحديث عن الجالية السورية عموماً وعن الصحف العربية التي أصدرتها وعن الجمعيات الخيرية والمدارس وتشييد دور العبادة لمختلف المذاهب.

ويختم المؤلف زيارته للبرازيل متوجهاً إلى الوطن، ويقدم وصفاً لطريق العودة عبر مرفأ دكار في السنغال ولاس بالماس ومرسيليا.

ويذكر المؤلف أنه التقى بكثيرين من السوريين العائدين إلى الوطن، ومن بينهم امرأة عجوز اسمها ماريا العلم من بلدة كفرفو في شمال لبنان، قضت 15 عاماً في جهات المكسيك، وأخبرته أنها قررت العودة إلى الوطن خوفاً من عادة حرق الموتى.

ويشير الكتاب إلى أن المشاهدات والانطباعات التي سجلها المؤلف عن وضع المهاجرين السوريين في البرازيل في مطلع القرن العشرين، تتطابق مع ما نشره رحالة آخرون زاروا القارة الأميركية. ويتحدث الجميع عما واجهه المهاجرون الأوائل من صعوبات ومآس.

ويؤكد الكتاب أن الهجرة كان لها ولا يزال التأثير السلبي في تطور البلاد، وأن العوامل الاقتصادية والصراعات الأهلية لم تكن الحافز الوحيد للهجرة، بل كانت هناك عوامل أخرى، مثل تدفق أموال المهاجرين الأوائل وتشييدهم الأبنية الحديثة، ودور الإرساليات الأجنبية في ترسيخ القناعة بأن الدول الغربية هي النموذج المثالي.

ويختم الكتاب بالإشارة إلى أن الهجرة لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، وأن الخسارة الوطنية لا تقتصر على النزيف المتواصل، بل في خسارة الأرض أمام هجوم المستوطنين الجدد وغرق البلاد في آتون الصراعات الدموية الأهلية.

يذكر الكتاب أسماء شخصيات مثل جرجي توما الخوري، بدر الحاج، ناديا قربان، أنطون إلياس لبّس، الملك جوان الرابع، دون بدرو الثاني، ماريا العلم، زكي نايفة، إبراهيم الرحباني، كلود كوندر، ماكس فون أوبنهايم، فيليب حتي، ريشار ثومين، سعيد حماده، أريستيد بريان، وروبرتو خطلب. كما يذكر أماكن مثل البرازيل، سوريا، لبنان، مصر، ريو دو جنيرو، كوبا، الأرجنتين، الأوروغواي، الولايات المتحدة الأميركية، ضهور الشوير، شمال لبنان، جبل لبنان، حيفا، عكا، يافا، بور سعيد، الإسكندرية، مسينا، نابولي، مضيق جبل طارق، المحيط الأطلسي، مرسيليا، أوكلاهوما، المكسيك، دمشق، جبل عامل، فلسطين، السنغال، لاس بالماس، بيروت، كفرفو، نيويورك، سان باولو، وسانتوس. ويشير إلى منظمات مثل القبس، البنك العثماني، عصبة الأمم، وصندوق استكشاف فلسطين.

مشاركة المقال: