تنطلق في باريس يوم الثلاثاء المقبل محاكمة شركة "لافارج" الفرنسية ومسؤولين كبار فيها، وذلك بتهمة تمويل جماعات جهادية في سوريا، بما في ذلك تنظيم "الدولة الإسلامية"، حتى عام 2014، بهدف ضمان استمرار العمل في مصنعها للإسمنت.
وذكرت إذاعة "مونت كارلو" الفرنسية يوم الجمعة 31 تشرين الأول، أنه سيُحاكم إلى جانب الشركة، التي استحوذت عليها مجموعة "هولسيم" السويسرية في عام 2015، أمام المحكمة الجنائية في باريس، الرئيس التنفيذي السابق للافارج، برونو لافون، وخمسة مسؤولين سابقين في السلسلة التشغيلية أو الأمنية للشركة، بالإضافة إلى وسيطين سوريين، أحدهما مطلوب بموجب مذكرة توقيف دولية.
يواجه المتهمون تهماً تتعلق بتمويل منظمة إرهابية وعدم الامتثال للعقوبات المالية الدولية التي كانت مفروضة على سوريا في تلك الفترة. وتشير التحقيقات إلى أن المجموعة الفرنسية، عبر فرعها "لافارج سيمنت سوريا"، دفعت عامي 2013 و2014 حوالي خمسة ملايين يورو لجماعات مصنفة "إرهابية"، من بينها تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة" التي كانت مرتبطة بتنظيم "القاعدة". كما دفعت أموالاً لوسطاء لحماية مصنع الأسمنت في الجلابية شمالي سوريا، خلال سنوات النزاع الذي بدأ عام 2011.
في حين غادرت شركات متعددة الجنسيات أخرى سوريا في عام 2012، قامت لافارج بإجلاء موظفيها الأجانب فقط في ذلك الوقت، وأبقت السوريين يعملون حتى أيلول 2014، عندما سيطر تنظيم "الدولة" على المصنع.
بدأ المسار القضائي في باريس عام 2017، عقب معلومات صحفية وشكاوى في عام 2016، إحداهما من وزارة الاقتصاد الفرنسية لانتهاك الحظر المالي على سوريا، والثانية من جمعيات و11 موظفًا سابقًا في فرع الشركة في سوريا، بتهمة تمويل الإرهاب.
في مسار موازٍ، أطلقت المجموعة الجديدة التي انبثقت عن استحواذ "هولسيم" على "لافارج" في 2015، تحقيقًا داخليًا، وأكدت دائمًا نفي أي علاقة لها بالأحداث التي سبقت عملية الدمج. وبعد عامين، خلص التحقيق الذي أُوكل إلى مكتب المحاماة الأمريكي "بايكر ماكنزي" والفرنسي "داروا"، إلى حصول "انتهاكات لقواعد السلوك التجاري في لافارج".
في تشرين الأول 2022، أقرت "لافارج" في الولايات المتحدة بدفع حوالي ستة ملايين دولار لتنظيم "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة"، ووافقت على دفع غرامة قدرها 778 مليون دولار. وقال رئيسها التنفيذي السابق، برونو لافون، إنه لم يكن على علم بدفع مبالغ للجماعات الجهادية.
ويرى فريق الدفاع عن لافون أن هذا الإقرار بالذنب، الذي يستند إليه قضاة التحقيق الفرنسيين جزئيًا، "يشكّل اعتداءً صارخًا على قرينة البراءة"، وكان هدفه الحفاظ على المصالح الاقتصادية لمجموعة كبيرة. واعتبر محامو الرئيس التنفيذي السابق أن المحاكمة ستتيح "توضيح" العديد من "الجوانب المظلمة في القضية"، مثل دور أجهزة الاستخبارات الفرنسية.
واعتبر قضاة التحقيق أنه على الرغم من تبادل المعلومات بين مسؤولي الأمن في "لافارج" وأجهزة الاستخبارات بشأن الوضع في محيط المصنع، فإن هذا "لا يثبت بأي حال من الأحوال مصادقة الدولة الفرنسية على ممارسات تمويل الكيانات الإرهابية التي نفذتها لافارج في سوريا".
في المجموع، انضم 241 طرفًا مدنيًا إلى القضية، وقالت آنا كيفر من منظمة "شيربا" غير الحكومية لمكافحة الجريمة المالية: "بعد أكثر من عشر سنوات على الأحداث، سيتمكن الموظفون السوريون أخيرًا من الإدلاء بشهاداتهم بشأن ما عانوه، إن كان أثناء عبورهم نقاط تفتيش أو تعرضهم للخطف والتهديد المستمر الذي خيم على حياتهم".
تواجه شركة لافارج غرامة قد تصل إلى مليار و125 مليون يورو في حال إدانتها بتمويل الإرهاب، أما في حال إدانتها بانتهاك الحظر المالي على سوريا، ستكون الغرامة أكبر بكثير. ولا يزال جانب آخر من هذه القضية قيد التحقيق، إذ تواجه المجموعة أيضًا اتهامات بالتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية في سوريا والعراق.
أحال القضاء الفرنسي شركة "لافارج" لصناعة الأسمنت إلى المحكمة الجنائية الفرنسية لبدء محاكمتها، بتهمة تمويل "الإرهاب" على خلفية مواصلة الشركة نشاطها في سوريا حتى عام 2014. وستبدأ محاكمة الشركة، التي تتبع الآن لمجموعة "هولسيم" السويسرية، في الفترة من 4 تشرين الثاني إلى 9 كانون الأول 2025، وفق ما جاء في جدول زمني غير نهائي للمحاكمة.
ذكرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في 16 تشرين الأول 2024 أن المحاكمة تستهدف ثمانية أشخاص، بعضهم عناصر في السلسلة التشغيلية والأمنية للشركة، ومن بينهم وسطاء سوريون، بالإضافة إلى المدير العام لشركة "لافارج" آنذاك، برونو لافونت. وقالت الصحيفة إن الشركة والشخصيات الثمانية سيحاكمون بتهمة تمويل منظمة إرهابية، وسيحاكم بعضهم أيضًا بتهمة عدم الامتثال للعقوبات المالية الدولية المفروضة على سوريا.
وقال ثلاثة قضاة تحقيق فرنسيين إن جميع المتهمين "قاموا بمنطق السعي وراء الربح للكيان الاقتصادي الذي يخدمونه، أو لتحقيق ربح شخصي مباشر لبعضهم، بتنظيم، أو الموافقة على، أو تسهيل أو تنفيذ، سياسة تنطوي على منح تمويل لمنظمات إرهابية تنشط في محيط مصنع الأسمنت" التابع للشركة في منطقة الجلابية بسوريا.
وأوضح قضاة التحقيق أنه "من خلال الموافقة على الدفع لهذه الكيانات، كانت الشركة تقوم بتقييم الفوائد التي يمكن أن تحصل عليها، مثل فتح الطرق، وحرية حركة الشاحنات وموظفي المصنع بفضل إصدار تصاريح المرور". وأضاف القضاة أن شركة "لافارج" احتفظت باستقلاليتها في اتخاذ القرار، وكان بإمكانها وقف تشغيل المصنع في أي وقت، خاصة عندما أصبح مديروها على علم بالمطالب المالية لـ"الكيانات الإرهابية".