تعيش مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور في السودان، وضعًا إنسانيًا مأساويًا منذ سيطرة "قوات الدعم السريع" عليها في 26 أكتوبر الحالي، على حساب الجيش السوداني. وتشير التقارير الإعلامية إلى وقوع انتهاكات واسعة النطاق وعمليات ملاحقة للمدنيين داخل المدينة.
في 30 أكتوبر، أعلنت "قوات الدعم السريع" عن اعتقال عدد من المتهمين بارتكاب تجاوزات خلال السيطرة على الفاشر، وعلى رأسهم الفاتح عبد الله إدريس، المعروف بـ "أبو لؤلؤ". وأكدت "الدعم السريع" في بيان عبر "تلجرام" أن اللجان القانونية بدأت التحقيق مع المتهمين لتقديمهم للعدالة، مشددة على التزامها بالقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
الفاتح عبد الله إدريس، الذي كان مقاتلًا مغمورًا قبل اندلاع الحرب بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" في منتصف أبريل 2023، برز بشكل لافت ليصبح من الأسماء المتداولة في السودان، بعد ظهوره في مقاطع مصورة يقتل مدنيين في شوارع الفاشر.
سيطرة بعد حصار
أعلنت "قوات الدعم السريع" سيطرتها على الفاشر، أكبر مدن إقليم دارفور، في 26 أكتوبر الحالي، مؤكدة السيطرة على مقر "الفرقة السادسة مشاة"، آخر مقار الجيش السوداني في الإقليم. وجاءت السيطرة بعد حصار بدأ في مايو 2024، حيث طوقت "قوات الدعم السريع" المدينة ومنعت دخول الغذاء والدواء.
وقد دارت معارك عنيفة بين الطرفين في محيط "الفرقة السادسة مشاة"، انتهت بانسحاب الجيش السوداني. وعقب الانسحاب، صرح عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة السودانية، بأن القيادة في المدينة، بما فيها لجنة الأمن، رأت أن المغادرة ضرورية بعد تعرض المدينة لتدمير ممنهج وقتل للمدنيين.
وأضاف البرهان في خطاب نشرته القوات المسلحة السودانية، أن القيادة وافقت على الانسحاب إلى مكان آمن لتجنب المزيد من الدمار، معتبرًا أن هذه المحطة من العمليات العسكرية فرضت على الشعب السوداني، وأن القوات المسلحة ستنتصر بمشاركة القوات المشتركة والمستنفرين.
وذكرت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية أن "قوات الدعم السريع" شنت حملة رعب واسعة في الفاشر بعد سيطرتها عليها، وارتكبت فظائع ضد المدنيين، بما في ذلك إعدام أكثر من ألفي مدني أعزل، فيما وصفه سكان وناشطون محليون بـ "مجزرة جماعية غير مسبوقة". كما وردت تقارير عن انتهاكات متعددة، مدعمة بصور من الأقمار الصناعية، ولم يتسن التأكد من إجمالي عدد القتلى.
تنديد دولي
أفادت دينيس براون، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان، بأن الدعم الإنساني مقطوع فعليًا عن الفاشر منذ أكثر من 500 يوم. وأوضحت أن عدد الوافدين الذين كانوا يقطعون مسافة 50 كيلومترًا إلى بلدة طويلة قد انخفض بشدة، مما يشير إلى تشديد الخناق على المدينة ومنع المدنيين من المغادرة.
وفي 29 أكتوبر الحالي، ندد مجلس الأمن بهجوم "قوات الدعم السريع" على الفاشر وبالفظائع التي ترتكبها ضد السكان المدنيين، مؤكدًا التزامه بسيادة السودان ووحدة أراضيه، ورفض إنشاء سلطة حاكمة موازية في المناطق الخاضعة للسيطرة. وأعرب المجلس عن قلقه البالغ إزاء عمليات الإعدام والاعتقالات التعسفية، وخطر وقوع فظائع واسعة النطاق، بما في ذلك فظائع ذات دوافع عرقية.
ودعا مجلس الأمن إلى محاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، مؤكدًا ضرورة استئناف المحادثات لوقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة.
في السياق نفسه، أدانت منظمة الصحة العالمية مقتل أكثر من 460 مريضًا ومرافقيهم، واختطاف ستة عاملين صحيين في مستشفى الولادة السعودي بمدينة الفاشر في 28 أكتوبر الحالي. وبحسب تقرير المنظمة، لا يزال أكثر من 260 ألف شخص محاصرين داخل المدينة، دون إمكانية تذكر للحصول على الغذاء أو الماء النظيف أو الرعاية الطبية.
وأوضح التقرير أن تصاعد العنف أجبر قرابة 28 ألف شخص على الفرار، إذ توجه 26 ألفًا إلى المناطق الريفية في الفاشر. ويتوقع توجه أكثر من 100 ألف آخرين خلال الأيام والأسابيع المقبلة، لينضموا إلى 575 ألف نازح سبق أن غادروا المدينة طلبًا للحماية في مناطق أخرى، وفقًا لتقرير المنظمة. ولفت التقرير إلى أن معظم النازحين، وغالبيتهم من النساء والأطفال غير المصحوبين بذويهم، يعانون نقصًا حادًا في المأوى والغذاء والمياه والرعاية الصحية.
جذور الصراع
تقع مدينة الفاشر غربي السودان، وهي عاصمة ولاية شمال دارفور والمركز التاريخي الرئيس للحكم في الإقليم، على مقربة من الحدود مع تشاد وليبيا وإفريقيا الوسطى. وتعد الفاشر واحدة من المدن التاريخية المهمة في السودان، وتستضيف المؤسسات الحكومية وقيادة "الفرقة السادسة مشاة"، إلى جانب جامعة الفاشر وعدد من المرافق الخدمية والتعليمية.
تزايدت أهمية المدينة بعد فقدان "قوات الدعم السريع" السيطرة على العاصمة الخرطوم وعدد من المدن الأخرى، إذ اعتبرت السيطرة عليها خطوة محورية لبسط النفوذ على آخر ولايات إقليم دارفور.
اندلع الصراع بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" في منتصف أبريل 2023، بعد تصاعد التوترات بين الطرفين نتيجة خلافات حول دمج قوات الدعم السريع ضمن الجيش. وتعود جذور الخلاف إلى سنوات، إذ كانت "قوات الدعم السريع" تعد قوة شبه عسكرية تحت قيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي"، وتتمتع بنفوذ واسع في دارفور. وأدى الخلاف حول مدة الدمج وآلياته إلى اندلاع مواجهات مباشرة في عدة مناطق، قبل أن تتوسع الحرب وتشمل المدن الكبرى مثل الخرطوم والفاشر، وسط تبادل الاتهامات بانتهاك الاتفاقات والسيطرة على المنشآت الحيوية.
