بقلم: خالد الخلف
في لفتة ذات دلالات وطنية وروحية عميقة، قام الرئيس أحمد الشرع بزيارة إلى الكنيسة المريمية في قلب دمشق، واضعاً بذلك أساساً لخطاب جديد في العيش المشترك، يتجاوز حدود المجاملات نحو ترسيخ عهد وطني شامل، يستند إلى الماضي ويتطلع إلى المستقبل.
خلال الزيارة، أعرب البطريرك عن تقديره وامتنانه العميقين، مؤكداً أن زيارة الرئيس للكنيسة ليست مجرد إجراء رسمي، بل هي تعبير صادق عن العلاقة التاريخية الوثيقة بين المسلمين والمسيحيين في سوريا، وتمهيد لمرحلة جديدة من التعاون الروحي والوطني.
جرى خلال اللقاء عرض وثيقة تاريخية نادرة على الرئيس، وهي العهدة التي كتبها معاوية بن أبي سفيان بإملاء من النبي محمد ﷺ، والتي تشدد على حماية الكنائس، والحفاظ على حقوق المسيحيين، واحترام معتقداتهم.
وفي ختام الجلسة، تم إهداء الرئيس نسخة من هذه العهدة، كرمز لتجديد الالتزام الوطني بهذه القيم. وجاء في نص العهدة كما ورد في الوثيقة: "هذا كتاب من محمد رسول الله إلى أهل إيليا، إنهم آمنون على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم…"
تعتبر هذه العهدة، التي دونها معاوية بن أبي سفيان، من أقدم النصوص الإسلامية التي تؤسس لمبدأ العيش المشترك، وتظهر كيف أن الإسلام في جوهره يعترف بالتعددية ويحميها.
في نهاية الزيارة، خط الرئيس أحمد الشرع بيده: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾.
وأضاف أن دمشق هي أول نموذج للعيش المشترك عرفته البشرية، وأن استمرار هذا النموذج هو عهد وميثاق وواجب، مع خالص الحب.
تجسد هذه الكلمات رؤية سياسية وإنسانية، ترى في دمشق ليس فقط مدينة، بل نموذجاً تاريخياً للعيش المشترك، حيث تتعايش المآذن والأجراس، وتتداخل الذاكرة الوطنية مع الروحانية الجامعة.
تؤسس زيارة الرئيس لخطاب سياسي سوري يعتبر التنوع الديني مصدراً للقوة الوطنية لا للتفكك، وتعيد الاعتبار للرموز الروحية كمكون أساسي من مكونات الهوية السورية الجامعة، بالإضافة إلى فتح الباب أمام مبادرات تعاونية بين المؤسسات الدينية والدولة في مجالات التعليم والصحة والخطاب العام.
وهي قبل كل شيء موقف الدولة من جميع المكونات السورية، ليس فقط كمسؤولية تجاه مواطنيها، بل أيضاً للمشاركة معهم بكل أطيافهم لحماية السلم الأهلي وبناء سوريا الجديدة التي هي اليوم ملك لجميع أبنائها.