عنب بلدي – كريستينا الشماس - على الرغم من التغيرات السياسية في سوريا، لا يزال السوريون يواجهون تحديات اقتصادية مستمرة منذ عام 2011، خاصة فيما يتعلق بتأمين المؤونة الموسمية، وعلى رأسها "المكدوس"، الذي يعتبر جزءًا أساسيًا من مؤونة الشتاء في البيوت السورية.
مع بداية الموسم الحالي، كان هناك أمل في انفراجة في الأسعار، لكن الواقع في الأسواق أظهر أن الانخفاض الطفيف لا يزال غير كافٍ لتلبية القدرة الشرائية للمواطنين. الأسعار تراجعت مقارنة بالسنوات الماضية، لكنها لا تزال مرتفعة مقارنة بمستوى الدخل الشهري.
في جولة لعنب بلدي في أسواق دمشق، تم رصد أسعار مكونات "المكدوس"، الذي لا يزال جزءًا من هوية المائدة الشعبية السورية، ولكنه أصبح اليوم بعيدًا عن متناول الكثيرين.
أسعار المكونات.. انخفاض طفيف
تراوحت أسعار المكونات الأساسية لـ"المكدوس" هذا العام بهوامش متفاوتة بين منطقة وأخرى، ولكنها بقيت أعلى من قدرة معظم الأسر. سجل سعر الكيلو الواحد من الباذنجان، المكون الرئيس، ما بين 3000 و5000 ليرة، أما الفليفلة الحمراء المستخدمة في الحشوة، فتراوح سعر الكيلو منها بين 6000 و8000 ليرة.
أما الجوز، الذي وصفه السوريون بأنه "المعضلة السنوية للمكدوس"، فقد انخفض سعره من أكثر من 100 ألف ليرة للكيلو إلى 65-85 ألف ليرة، وهو انخفاض لا يزال غير كافٍ. أما زيت الزيتون الأصلي، فقد وصل سعر التنكة منه (حوالي 16 ليترًا) إلى 600 ألف ليرة.
بناءً على هذه الأسعار، قُدرت تكلفة تموين 30 كيلو من "المكدوس" بنحو 500 ألف ليرة، فيما ترتفع تكلفة 50 كيلو إلى أكثر من 800 ألف ليرة تقريبًا، وهي مبالغ تفوق دخل المواطنين الشهري بكثير.
ضعف القدرة الشرائية
اتفق مواطنون تحدثوا لعنب بلدي على أن المشكلة ليست في توفر المواد، بل في عدم تناسب الأسعار مع الدخل. الحد الأدنى للأجور المحدد بـ750 ألف ليرة سورية لا يكفي سوى ليومين ونصف من حاجة الأسرة السورية للاستهلاك بالحد الأدنى، ما يجعل تموين مؤونة بكمية متوسطة عبئًا ماليًا.
ثناء هريرة، ربة منزل من منطقة الدويلعة بدمشق، قالت لعنب بلدي إن "المكدوس" أصبح من الكماليات، والمواطن لم يعد يتحدث عن الجودة، بل عن الحد الأدنى الذي يمكن تأمينه. وأضافت أن الأسواق تمتلئ بالبضائع، لكن جيوب المواطنين فارغة.
أميرة تقي الدين، التي تعمل في محل ألبسة بدمشق، قررت اختصار مؤونة "المكدوس" إلى 15 كيلو فقط، مشيرة إلى أن الأسعار لم تنخفض بالشكل الذي كانت تنتظره. وقالت إن العائلة كانت تخزن نحو 50-80 كيلو في السابق، لكن ارتفاع التكاليف جعل الكمية رمزية أكثر من كونها تموينية.
داني أبو صعب، موظف في إحدى المؤسسات الحكومية براتب 600 ألف ليرة، يرى أن راتب الشهر لا يكفي لشراء مكونات "المكدوس" بكمية متوسطة، وأن انخفاض الأسعار لم ينعكس فعليًا على معيشة المواطن.
أسباب الارتفاع.. مواسم جافة وتكاليف متزايدة
شهدت الأسواق ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار مؤونة الشتاء هذا العام، وخاصة زيت الزيتون، بسبب عوامل متشابكة تبدأ من الحقل وتنتهي في السوق، بحسب أمين سر جمعية حماية المستهلك، عبد الرزاق حبزة، لعنب بلدي.
وأضاف حبزة أن الموسم الزراعي تأثر بالجفاف وقلة الأمطار، ما انعكس على المحاصيل الزراعية وأسعارها. وأشار إلى أن ارتفاع تكلفة حوامل الطاقة أسهم في زيادة تكاليف الزراعة والنقل، وارتفاع تكلفة اليد العاملة نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة، وارتفاع سعر الغاز المنزلي المستخدم في عمليات التحضير والتجفيف.
وبين أن ارتفاع أسعار المواد الأولية عند الفلاح، مثل الأسمدة والمبيدات، إلى جانب زيادة أجور النقل، أدت جميعها إلى رفع الأسعار النهائية للمستهلك. وحول انعكاس الأسعار على المواطنين، قال حبزة إن الارتفاع الحالي يتجاوز القدرة الشرائية، وأصبح التموين بكميات كبيرة أمرًا صعبًا.
ولفت إلى أن مؤونة "المكدوس" كانت عنصرًا أساسيًا في كل بيت، أما اليوم فقد أصبحت رمزية بسبب الأسعار.
عوامل خفض الأسعار
يرى أمين سر جمعية حماية المستهلك، عبد الرزاق حبزة، أن إمكانية خفض الأسعار تبقى قائمة في حال تم العمل على معالجة الأسباب البنيوية للغلاء. وأشار حبزة إلى أن العوامل المؤدية إلى انخفاض الأسعار تبدأ من تخفيض تكلفة حوامل الطاقة عبر ضبطها من قبل الجهات الحكومية، الأمر الذي ينعكس على تكلفة الإنتاج والنقل.
وأوضح أن توفير المياه للمحاصيل الزراعية، إلى جانب دعم الفلاحين بمستلزمات الإنتاج من أسمدة ومبيدات بأسعار مدعومة، يسهم في تقليل التكلفة الإجمالية وبالتالي خفض الأسعار النهائية. كما لفت إلى أهمية تخفيض تكلفة اليد العاملة من خلال تحسين الظروف الاقتصادية العامة، وزيادة دخل المواطن بالدرجة الأولى، معتبرًا أن تحسين الدخل يشكل العامل الأكثر تأثيرًا في تحقيق التوازن بين الأسعار والقدرة الشرائية.
وأضاف أن استمرار الجفاف قد يرفع أسعار زيت الزيتون مجددًا، ورغم دخول كميات من الزيت من مناطق الشمال السوري إلى الأسواق، فإن بعض المناطق الزراعية خرجت عن الاستثمار هذا العام، ما يقلل من حجم الإنتاج المحلي.