محمد خواجوئي: عادت الأمور إلى المربع الأول، حيث تلاشى الاتفاق النووي الذي أُبرم بين إيران والقوى الدولية عام 2015، والذي اعتُبر في حينه إنجازاً ونموذجاً دبلوماسياً، وذلك بعد عقد من التقلبات. ومع رفض غالبية أعضاء مجلس الأمن الدولي لمشروع القرار الذي تقدمت به روسيا والصين بشأن مواصلة تعليق العقوبات الأممية على إيران، أُعيد العمل بجميع القرارات التي كانت عُلّقت بموجب القرار 2231، اعتباراً من يوم أمس، مما وضع نهاية رسمية وقانونية لـ "خطة العمل الشاملة المشتركة".
وافقت طهران، بموجب الخطة، على تطبيق قيود على برنامجها النووي، وخفض مستوى تخصيب اليورانيوم عند 3.67%، والسماح لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بإجراء عمليات التفتيش في إطار "اتفاقات الضمانات"، مقابل تعليق 6 قرارات أممية ضدها، بالإضافة إلى العقوبات الأميركية والأوروبية. إلا أن الاتفاق فقد جدواه فعلياً مع انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018، وعودة عقوباتها على الجمهورية الإسلامية، والإجراءات التي اتخذتها طهران في مجال رفع مستوى التخصيب إلى 60%، وتقليل الرقابة التي تقوم بها الوكالة الدولية.
وعلى الرغم من بقاء هيكلة الاتفاق القانونية على حالها، إلا أن الجهود المبذولة لإحيائه لم تنجح، وبلغ الانهيار ذروته بقرار الدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا)، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لتفعيل آلية العودة التلقائية إلى العقوبات الأممية على طهران، والتي أُدرجت في متن القرار 2231، بذريعة عدم تنفيذ إيران لالتزاماتها المنصوص عليها بموجب "خطة العمل".
القرارات التي أُعيد العمل بها هي:
- القرار 1696 (31 تموز/ يوليو 2006): شكل هذا القرار أول رد فعل رسمي لمجلس الأمن على المخاوف الدولية من البرنامج النووي الإيراني، حيث طالب إيران بوقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم، والتعاون السريع مع الوكالة الدولية.
- القرار 1737 (23 كانون الأول/ ديسمبر 2006): مثّل هذا القرار الخطوة الجادة الثانية لمجلس الأمن، إذ أخذ في الاعتبار إجراءات مُلزمة بشكل واضح وتحت الفصل السابع، مثل منع تصدير ونقل المواد والتكنولوجيات المستخدمة في الأنشطة النووية الحساسة، وتشكيل لجنة مراقبة وتجميد أرصدة أشخاص وشركات لهم دور في برنامج التخصيب الإيراني.
- القرار 1747 (31 آذار/ مارس 2007): جاء هذا القرار امتداداً للقرار 1737، حيث وسّع من نطاق القيود، وأضاف عقوبات على أشخاص وكيانات، وعزّز الحظر في مجال الأسلحة والتعاون العسكري والتدابير المالية.
- القرار 1803 (3 آذار/ مارس 2008): طالب هذا القرار إيران بالتخلي "فوراً" عن أي تخصيب وبحوث وتنمية متعلقة بأجهزة الطرد المركزي، ووفر المزيد من الأدوات لتفتيش الشحنات وتقييد المساعدات الفنية والمالية.
- القرار 1835 (27 أيلول/ سبتمبر 2008): أكّد مجلس الأمن، من خلال هذا القرار، القرارات السابقة 1696، 1737، 1747 و1803، داعياً إيران إلى تنفيذ "جميع" التزاماتها.
- القرار 1929 (9 حزيران/ يونيو 2010): ينطوي على أوسع حزمة من عقوبات ما قبل "خطة العمل الشاملة المشتركة"، إذ تبنى حظراً شديداً يشمل منع بيع أو نقل الأسلحة التقليدية، وحظر المساعدات الفنية أو المالية للبرنامج الصاروخي، ومنع مشاركة إيران في الأنشطة التجارية الحساسة المرتبطة باليورانيوم، وكذلك فرض تجميد الأرصدة والحد من خدمات التأمين/ إعادة التأمين.
من جهتها، نددت وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان، بإعادة تفعيل العقوبات ووصفتها بأنها "إساءة واضحة إلى المسار القانوني"، معتبرة أن "أي محاولة للقيام بذلك باطلة ومُلغاة"، ودعت الدول إلى عدم تطبيق العقوبات. وأكدت الوزارة أن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستدافع بحزم عن حقوقها ومصالحها الوطنية، وستُقابل أي عمل يهدف إلى المساس بمصالح شعبها وحقوقه برد حازم ومناسب".
وفي سياق متصل، اعتبر رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، أن تنفيذ "آلية الزناد" "أمر غير قانوني"، مضيفاً أن "العقوبات المنصوص عليها في هذه القرارات، ليست ذات أهمية مؤثرة، مقارنة بالعقوبات الأميركية"، محذراً من أن أي دولة تريد اتخاذ إجراء ضد إيران، استناداً إلى هذه القرارات، ستواجَه برد فعل إيراني مماثل. كما لفت إلى أن طهران لا تعد نفسها ملزمة بالامتثال لتلك القرارات "غير القانونية"، بما في ذلك تعليق تخصيب اليورانيوم.
أما في ما يخص عملية التفاوض، فقال رئيس البرلمان الإيراني إنها تعني بالنسبة إلى الدول الغربية "الخداع والضغط" بهدف نزع القوة الصاروخية الإيرانية، مشدداً على أن العامل الأساسي في الحفاظ على مصالح الإيرانيين القومية وأمنهم، هو "امتلاك القوة فقط".
من جانبه، أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، أن بلاده لم تتهرب من المفاوضات، مشدداً على أن أي حوار بلا نتائج واضحة "عبثي". وأشار لاريجاني، في مقطع نشره عبر منصة "إكس" من لقائه مع قناة "PBS"، إلى أن أحد الانتقادات الموجهة إلى الولايات المتحدة يتمثل في الجمع بين الحرب والمفاوضات، مؤكداً أنه "لا أحد قادر على إزالة البرنامج النووي الإيراني".
أما على مستوى الإعلام، فبرز تعليق صحيفة "كيهان" المحافظة، التي رأت أن إجراء المفاوضات لم يكن ليؤدي إلى رفع العقوبات، في حين كتبت "هم ميهن" الإصلاحية أن "القضية الكبرى تكمن في معرفة ما إذا كانت روسيا والصين ستتمسكان بموقفهما" الرافض إعادة فرض العقوبات.