أعربت إيران، يوم الأحد، عن استنكارها لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة عليها، وذلك بعد حوالي عقد من رفعها بموجب اتفاق عام 2015، إثر تعثر المحادثات مع القوى الغربية بشأن برنامجها النووي.
وقد أعيد فرض العقوبات الصارمة نتيجة لتفعيل كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا "آلية الزناد" المنصوص عليها في الاتفاق. وأكد مسؤولون أوروبيون وأمريكيون أن هذه الخطوة لا تعني بالضرورة نهاية الجهود الدبلوماسية.
دخلت العقوبات، التي تحظر التعاملات المتعلقة ببرنامجي إيران النووي والصاروخي، بالإضافة إلى تدابير أخرى، حيز التنفيذ في منتصف ليل السبت/الأحد بتوقيت غرينتش.
وتضاف هذه العقوبات إلى تلك التي أعادت واشنطن فرضها من جانبها بعد انسحابها الأحادي من الاتفاق النووي في عام 2018، الأمر الذي دفع إيران إلى التراجع عن تنفيذ التزاماتها الأساسية بموجب الاتفاق.
وقد تجلت الآثار الأولية للعقوبات الجديدة في تراجع إضافي للريال الإيراني، حيث وصل، وفقًا لمواقع رصد متخصصة، إلى حوالي 1.1 مليون للدولار الواحد، علمًا بأنه كان عند مستوى 900 ألف في بداية أغسطس.
وأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستدافع بحزم عن حقوقها ومصالحها الوطنية، وستقابل أي عمل يهدف إلى المساس بمصالح شعبها وحقوقه برد حازم ومناسب".
ونددت الوزارة في بيان بإعادة تفعيل العقوبات، معتبرة أنها "إساءة واضحة للمسار القانوني وأي محاولة للقيام بذلك باطلة ولاغية"، ودعت الدول إلى عدم تطبيقها.
وتسبب البرنامج النووي في تدهور علاقة طهران مع العواصم الغربية التي تشتبه، إلى جانب إسرائيل، في سعي طهران لامتلاك قنبلة ذرية. وتنفي إيران ذلك بشدة، وتصر على حقها في الطاقة النووية للأغراض المدنية.
وقد لاقت إعادة فرض العقوبات ترحيبًا من إسرائيل، التي هاجمت مواقع نووية وعسكرية ومدنية في إيران خلال يونيو، في حرب شهدت تدخل الولايات المتحدة عبر قصف منشآت نووية. ودفعت الحرب طهران إلى الانسحاب من مفاوضات نووية كانت تجريها مع واشنطن، وخفض تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية على منصة إكس "هذا تطور كبير ردًا على الانتهاكات المستمرة من جانب إيران، خصوصًا في ما يتعلق ببرنامجها النووي العسكري"، مضيفة "الهدف واضح: منع إيران من امتلاك سلاح نووي. على العالم استخدام كل الوسائل لتحقيق هذا الهدف".
وتبقي إسرائيل على الغموض بشأن امتلاكها السلاح الذري. لكن وفق المعهد الدولي لبحوث السلام في استوكهولم، تملك 90 رأسًا نووية.
وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران هي الدولة الوحيدة غير النووية التي تخصب اليورانيوم بمستويات عالية (60%) قريبة من الحد التقني اللازم لإنتاج القنبلة الذرية (90%).
ويخشى سكان في طهران أن تسبب العقوبات صعوبات اقتصادية إضافية.
وقال نسيم، وهو مصمم غرافيك في الثالثة والثلاثين، لوكالة فرانس برس "سيدمرنا هذا الأمر. قد لا يتمكن الناس من العيش كما يعيشون حاليًا".
وأضاف "حتى قبل ارتفاع الدولار، كانت الأسعار في ازدياد. من اللحوم إلى كلفة سيارات الأجرة، ظروف الحياة كانت صعبة أساسًا".
واعتبرت صحيفة كيهان الإيرانية المحافظة والتي تعارض أي حوار مع الدول الغربية، أن إجراء المفاوضات لم يكن ليؤدي إلى رفع العقوبات.
وكتبت هم ميهن الإصلاحية أن "القضية الكبرى تكمن في معرفة ما إذا كانت روسيا والصين ستتمسكان بموقفهما" الرافض إعادة فرض العقوبات.
وأعيد منتصف ليل السبت/الأحد بتوقيت غرينتش فرض مجموعة عقوبات أممية على إيران على خلفية برنامجها النووي سبق أن رفعت بموجب اتفاق العام 2015.
وفرضت العقوبات مجددًا بعدما فعّلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا "آلية الزناد" المدرجة في الاتفاق، متهمة طهران بعدم الإيفاء بالتزاماتها.
تستهدف العقوبات شركات ومنظمات وأفرادًا يساهمون بشكل مباشر أو غير مباشر في برنامج إيران النووي أو تطوير صواريخها الباليستية.
تشمل العقوبات حظرًا على الأسلحة التقليدية مع منع أي بيع أو نقل للأسلحة إلى إيران.
وبموجب العقوبات، تحظر الواردات والصادرات أو نقل مكونات أو تكنولوجيا مرتبطة ببرنامجيها النووي والبالستي.
كما تجمد أصول كيانات وأفراد في الخارج تعود إلى شخصيات أو مجموعات إيرانية على صلة بالبرنامج النووي.
ويمنع الأشخاص الذين يصنفون على أنهم مشاركون في نشاطات نووية محظورة من السفر إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
سيتعين كذلك على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تقييد الوصول إلى منشآت مصرفية ومالية يمكن أن تساعد برنامجي إيران النووي والبالستي.
وتجمد أصول أي شخص ينتهك نظام العقوبات حول العالم.
يمكن حاليًا إعادة فرض عقوبات منفصلة حددها الاتحاد الأوروبي إلى جانب تلك الدولية.
والهدف من العقوبات ضرب الاقتصاد الإيراني، ليس لعرقلة النشاط النووي فحسب، بل كذلك للضغط على طهران ماليًا لإجبارها على الامتثال.
وتخشى الدول الغربية من إمكان امتلاك إيران أسلحة نووية، وهو أمر تنفيه طهران بشدة، بينما تدافع عن حقها في تطوير برنامج نووي لأغراض مدنية.
وسبق للولايات المتحدة أن أعادت فرض عقوباتها الخاصة على إيران، بما في ذلك حظر شراء دول أخرى نفط طهران، بعدما انسحب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي في ولايته الأولى.
تعيد هذه الآلية تفعيل قرارات الأمم المتحدة، لكن تطبيقها عمليًا يوجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تحديث قوانينها لتمتثل إليها.
سيعود الأمر إلى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في اتخاذ قرار بشأن تمرير التشريع ليكون بالإمكان تطبيق العقوبات، لكن أي الطرفين لم يقدم تفاصيل بشأن هذه العملية.
تعد قرارات مجلس الأمن والعقوبات المرتبطة بها ملزمة، إلا أنها كثيرًا ما تنتهك.
ويبقى السؤال الأكبر هو إن كانت بلدان على غرار الصين وروسيا اللتين تعتبران تفعيل "آلية الزناد" غير قانوني، ستقرران عدم الامتثال.
وواصلت بعض الدول، بما فيها الصين، التجارة مع إيران رغم العقوبات الأميركية. وتتوقع القوى الأوروبية ألا تمتثل روسيا للعقوبات، لكن رد فعل بكين التي تستورد كمية كبيرة من النفط من إيران غير واضح.
وقال الباحث لدى "المعهد الدولي للدراسات الإيرانية" المرتبط بجامعة سوربون كليمان تيرم "هناك ثمن للالتفاف على العقوبات، ثمن سياسي، لكن أيضًا مالي واقتصادي نظرًا إلى أن التعاملات المالية باتت باهظة أكثر".
وتعد شركات الشحن من بين الأعمال التجارية التي ستتأثر إلى حد كبير.
وقال تيرم "بالنسبة إلى عقوبات الأمم المتحدة، لن نشهد حصارًا كاملاً على الأرجح، بل ارتفاعًا في التكاليف".