على الرغم من أن الخبر الرسمي تناول ورشة عمل لتطوير "الظهور الإعلامي للوزراء"، إلا أن الصورة المرفقة بالخبر كشفت ما هو أبعد من مجرد توجيهات إعلامية. فقد أظهرت الصورة صفًا من قيادات الدولة يضم العشرات من الوجوه الذكورية في المقاعد الأمامية والخلفية، مع وجود امرأة واحدة فقط تكاد تكون استثناءً بصريًا أكثر من كونها حضورًا طبيعيًا في بنية السلطة.
هذا التباين الحاد بين الخطاب الرسمي حول تحسين الظهور الإعلامي وبين مشهد القاعة، يثير مفارقة صارخة. فكيف يمكن لحكومة تسعى إلى تحسين صورتها أمام الجمهور أن تعجز عن إظهار الحد الأدنى من التوازن بين الجنسين في صورتها الداخلية؟.
الصور التي ظهرت في منشور رئاسة الحكومة ليست مجرد صور توثيقية لورشة عمل، بل يمكن اعتبارها وثيقة سياسية تكشف الهيمنة الذكورية في هرم السلطة. وإذا كان الإعلان الدستوري الجديد قد نص في مادته الـ 15 على أن «العمل حق للمواطن وتكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين»، فإن الصور المرافقة للورشة تعكس بوضوح أن هذا التكافؤ النظري لم يتحول إلى واقع عملي، على الأقل حتى الآن.
سوسن زكزك: كنا متواضعات جدا ولم نطلب أكثر من الثلث مع أن التمثيل يجب أن يكون مناصفة كما هو موجود بعدد من الدول بينها دول عربية.
أما المادة الـ 21 فقد أكدت أن الدولة «تكفل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة، وتحميها من جميع أشكال القهر والظلم والعنف»، غير أن تواجد امرأة واحدة فقط وسط عشرات مسؤولي الصف الأول في سوريا يوحي بمفارقة كبيرة. فبينما ينص الإعلان الدستوري على حقوق سياسية كاملة للنساء، يأتي التطبيق العملي ليخبرنا بأن الحقوق النظرية لا تتحول بالضرورة إلى تطبيق عملي!.
وزيرة واحدة فقط هي وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل “هند قبوات”، مقابل 22 وزيرًا رجلاً، أي أن نسبة تواجد النساء في الحكومة السورية الانتقالية لا تتجاوز الـ 4.3%، بينما الكوتا النسائية المعمول بها عالميًا بنسبة تمثيل لا تقل عن 30% للنساء. وبالمقارنة مع دول الجوار مثل لبنان مثلاً، تصل لنحو 20%، وفي 15.6%، و16% في .
السلطة لا تثق بقدرة النساء
ترى الناشطة في مجال حقوق المرأة وعضوة رابطة النساء السوريات، “سوسن زكزك”، أن تمثيل النساء بامرأة واحدة داخل مجلس الوزراء يعكس ضعفًا كبيرًا بتمثيل . وتُظهر بيانات التعداد السكاني الصادرة عن مكتب الإحصاء لعام 2021، أن عدد النساء في سوريا يبلغ نحو 14 مليونًا و530 ألفًا، مقابل 14 مليونًا و470 ألف رجل (في الداخل والخارج)، ما يعني أن النساء يشكلن حوالي 50.1% من إجمالي السكان.
سوسن زكزك: ما يمنع النساء من الوصول إلى مواقع صنع القرار، ليس القانون ولا الثقافة السياسية السائدة، إنما قرار السلطة الحاكمة
الحركة النسوية طالبت منذ أمد بعيد بتمثيل النساء على شكل وازن في كل الهيئات التنفيذية والانتخابية، وفق “سوسن”، مضيفة لـ”سناك سوري”: «كنا متواضعات جدا ولم نطلب أكثر من الثلث مع أن التمثيل يجب أن يكون مناصفة كما هو موجود بعدد من الدول بينها دول عربية».
تمثيل النساء بامرأة واحدة في الحكومة يعكس «نقصًا بثقة السلطة بقدرة النساء على القيام بواجبات المشاركة بالحيز العام، فكيف يمكن أن تستقيم الأمور ونصف عدد سكان سوريا خارج التمثيل في مجلس الوزراء؟»، تتساءل الناشطة النسوية.
إن ضعف الثقة بأحقية النساء السوريات بالمشاركة في الحيز العام، يعكس الصورة النمطية لدور النساء في المنزل ورعاية الأسرة، «وللأسف كرس الإعلان الدستوري هذا الأمر، عندما أشار في مادته 21 إلى دور النساء بالمجتمع والعائلة بينما لم يتحدث عن أي دور للرجل بالعائلة».
ما يمنع من الوصول إلى مواقع صنع القرار وفق “سوسن زكزك”، ليس القانون ولا الثقافة السياسية السائدة، إنما قرار السلطة الحاكمة، حيث عرفت سوريا خلال فترات طويلة تمثيلاً أكبر للنساء، لكن للأسف حتى التمثيل الأكبر كان ناقصاً لأنه لم يعطِ للنساء سوى الحقائب الوزارية التقليدية، ولم تصل أي واحدة منهنّ لموقع قرار سيادي إلا مرتين الأولى عندما تولت امرأة وزارة التعليم العالي، (صالحة سنقر من عام 1992 وحتى 2000)، والثانية حين تولت “لمياء شكور” منصب وزارة الإدارة المحلية ولم تستمر فيه سوى عدة أشهر.
وتشير الناشطة النسوية أن تلك المواقع ليست سيادية، إنما لا تشبه المواقع التقليدية التي كانت توكل للنساء، مثل الشؤون الاجتماعية والعمل والثقافة.
وتؤكد “زكزك”، أن «ضعف ثقة السلطة بقدرة النساء على المشاركة بالحياة العامة ينعكس على بقية الهيئات التي عينت من قبل السلطة، مثل لجنة الحوار أو اللجنة المسؤولة عن انتخابات البرلمان التي لم تتضمن أي حصة للنساء في تركيبة مجلس الشعب المزمع انتخابه».
ما هي الحلول؟
الخطوة الأولى وفق الناشطة التي ناضلت لعقود من أجل حقوق النساء السياسية والاجتماعية وغيرها، هي توافر الإرادة السياسية، التي يمكن أن تصدر عبر مرسوم، أو عن طريق تعديل الإعلان الدستوري، الذي يطالب كثر بتعديله ليس بسبب تمثيل النساء فقط، وأضافت أن التعديل الجديد يجب أن يتضمن نسبة محددة لتمثيل النساء في جميع المواقع المعينة والمنتخبة.
وتابعت: «الآن بما أننا على أبواب عملية انتخاب برلمان يجب أن تراعي الهيئة المشرفة على الانتخاب تمثيل النساء في اللجان الناخبة وأيضا أن تجد آلية حتى تكن نسبة النساء في البرلمان 30 بالمئة، كذلك لا بد عند صياغة الدستور من تضمين هذه الفقرة ونتمنى أن تصل النسبة لـ40 بالمئة وليس فقط 30 بالمئة».
أزمة تمثيل النساء سياسياً
في بحث أجراه فريق الأبحاث في موقع سناك سوري مؤخراً، تحت عنوان ““، تبيّن أن التمثيل النسائي في عينة من المؤسسات الانتقالية لم يتجاوز 7%. وبحسب استطلاع البحث، فإن 67% من المشاركات قلن إنهنّ لم يمثلن في مؤتمر الحوار الوطني، بينما تبرز نتائج الاستطلاع أن ثلث المشارات قلن إنهنّ يمثلنّ أنفسهنّ، بينما انعدمت تقريبًا نسبة من يشعرن بتمثيل حزبي حقيقي.
وهو ما يعكس غياب التمثيل المؤسسي، ويؤكد أنّ حضور النساء في المؤسسات لا يكفي وحده إن لم يُرافقه اعتراف حقيقي بدورهن ومشاركة فعلية على قدم المساواة.
كما قدّم البحث مقارنة نقدية مع تجارب انتقالية أخرى، مثل رواندا، التي رغم ارتفاع تمثيل النساء فيها إلى أكثر من 60%، إلا أنّها لم تحقق حياة ديمقراطية فعلية، بل أنتجت نظامًا سلطويًا مركزيًا، مع تقييد حرية التعبير، رغم التقدّم في مجالات المساواة والتنمية.
وتؤكد المقارنة أنّ الأزمة السياسية في سوريا لا تنبع من غياب التمثيل العددي فحسب، بل من غياب التمثيل الجوهري، بما ينعكس على ثقة المواطنين.
وذلك لأنّ ضعف الشعور بالتمثيل يقود إلى اغتراب سياسي، وفقدان الثقة بالمؤسسات، ويزيد من تهميش الفئات الأقل تمثيلًا. كما يؤثر سلبًا على جهود بناء السلام والتنمية، ويدفع بعض الفاعلين نحو الانكفاء أو الانفجار، إما في شكل تمثيل احتجاجي، أو في صورة عزلة مجتمعية قاتلة.
في النهاية، تكشف الصورة وما تلاها من نقاشات أن حضور النساء في السلطة السورية لا يزال شكلياً وهامشياً، بعيداً عن جوهر النصوص الدستورية، وبين خطاب المساواة وواقع الإقصاء، تبقى المشاركة السياسية للنساء رهناً بقرار سياسي لم يتخذ بعد.