الجمعة, 5 سبتمبر 2025 10:55 PM

طرابلس تحت وطأة الصراع المسلح وأزمة معيشية خانقة: هل تنجح جهود التهدئة؟

طرابلس تحت وطأة الصراع المسلح وأزمة معيشية خانقة: هل تنجح جهود التهدئة؟

في العاصمة الليبية طرابلس، يسيطر القلق على حياة المواطنين، الذين يتابعون باهتمام بالغ الأخبار المتداولة في وسائل الإعلام ومنصات التواصل، بحثاً عن أي بارقة أمل تبدد الغموض حول مستقبل مدينتهم، وما إذا كانت ستشهد مواجهة مسلحة جديدة أم سيتم التوصل إلى اتفاق تهدئة.

يتزامن هذا الترقب مع أزمات معيشية حادة، تتصدرها غلاء الأسعار، وانقطاع التيار الكهربائي، ونقص الوقود، الأمر الذي فاقم حالة الاستياء الشعبي تجاه طرفي النزاع، وهما حكومة «الوحدة» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وعبد الرؤوف كارة، آمر «جهاز الردع»، الذي يعد أحد أبرز التشكيلات المسلحة في طرابلس.

يرغب الليبيون في معرفة ما إذا كانت مدينتهم ستشهد مواجهة مسلحة جديدة أم سيتم التوصل إلى اتفاق تهدئة.

ويرى سياسيون ومراقبون أن تداعيات هذا الغضب لن تقتصر على تراجع شعبية الطرفين، بل قد تمتد لتشمل حلفاءهما أيضاً، في ظل سعي خصوم الدبيبة في شرق البلاد إلى استغلال التوترات في العاصمة لتعزيز نفوذهم في الساحة السياسية. وفي هذا السياق، يعتقد رئيس الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية، أسعد زهيو، أن حالة الترقب والخوف من اندلاع مواجهة بين «الوحدة» و«الردع» قد قضت على «ما تبقى من رصيد شعبيتهما»، مشيراً إلى أن حكومة الدبيبة «قد تكون الطرف الأكثر تضرراً من غضب الشارع الطرابلسي». وأشار إلى أن «التصعيد من قبل (الوحدة) تزامن مع إعلان البعثة الأممية إطلاق مسار سياسي جديد قد يفضي إلى سلطة تنفيذية بديلة، مما يعزز الشكوك بأن الأزمة مصطنعة لتوفير طوق نجاة لها في مواجهة هذا الضغط الدولي، وليس للسعي إلى تحقيق مصلحة وطنية». وقلّل زهيو من «وجاهة ما تسوقه الحكومة من دوافع ومبررات حول رغبتها في طي صفحة الميليشيات، وتحرير العاصمة من نفوذ قادتها من أمراء الحرب»، مشيراً إلى «استعانة (الوحدة) بتشكيلات من مصراتة، مسقط رأس الدبيبة».

تعيش طرابلس منذ منتصف مايو الماضي على وقع «هدنة هشة»، بعد قتال عنيف بين قوات موالية لحكومة «الوحدة»، وعناصر مسلحة تابعة لـ«جهاز الردع»، وذلك عقب جولة مواجهات اندلعت في الشهر نفسه، في أعقاب مقتل رئيس «جهاز دعم الاستقرار»، الميليشياوي عبد الغني الككلي، المعروف بـ«غنيوة». ويؤكد زهيو أن «الأزمات المعيشية شكلت عاملاً إضافياً لتآكل شعبية الحكومة»، موضحاً أن «المواطن الليبي بات يواجه نقص الوقود والسيولة، وتراجع قيمة الدينار وانقطاعات الكهرباء». وأبرز أن «أي مسؤول بالعاصمة، سواء من قيادات الحكومة أو المجلس الرئاسي، لم يحاول تقديم توضيح يبدد مخاوف المواطنين، بل فقط تتم الإشارة إلى عقد اجتماعات مع شخصيات عسكرية، وبعض الأعيان بهدف بحث التهدئة، دون توضيح مستجدات ونتائج هذه الاجتماعات».

زهيو يؤكد أن «الأزمات المعيشية شكلت عاملاً إضافياً لتآكل شعبية الحكومة»

وأضاف زهيو موضحاً أن «بروز جهاز الردع بوصفه منافساً مباشراً لتلك الحكومة، بكل ما تسببه من احتقان للمواطن، قد يعزز من حضوره الشعبي»، واستشهد في هذا الصدد بـ«التفاف سكان سوق الجمعة وضواحيها حوله، رغم معاناتهم سابقاً من نفوذه، وتصويرهم له كسيف مسلط على رقابهم». بالمقابل، لا تتوقف التحذيرات من خطورة اندلاع مواجهة وسط مناطق العاصمة الأكثر اكتظاظاً بالسكان، وهي «سوق الجمعة» وضواحيها، حيث توجد مقرات «الردع»، وما يسيطر عليه من مرافق حيوية، مثل مطار معيتيقة، الذي يعد الشريان الجوي الرئيسي للعاصمة، والسجن الموجود بالمنطقة ذاتها. من جهته، لفت الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، إلى إهمال الدعوات المطالبة بضرورة إخراج المقرات العسكرية من داخل الأحياء السكنية لتفادي اتخاذ المجموعات المسلحة المدنيين كدروع بشرية لحماية نفسها، عادّاً أن «تحصن جهاز الردع بسكان سوق الجمعة يخصم من رصيده الشعبي».

صورة أرشيفية لبعض عناصر جهاز الرّدع في طرابلس

وعدّ القماطي «الاتهامات الموجهة لقيادات الردع بارتكاب انتهاكات داخل سجن معيتيقة، بينها القتل والاغتصاب، فضلاً عن تسريبات مقاطع مصورة حول التعذيب به»، مع عوامل أخرى من الأسباب التي «ستدفع شرائح عدة للنأي بنفسها عن الاصطفاف معه».

حدد الدبيبة في الأسابيع الأخيرة شروطاً لتجنب الصراع مع «الردع»، شملت تسليم المطار والسجن لسلطات الدولة، وتسليم المطلوبين داخل مقراته للقضاء. في هذا السياق يتوقع القماطي «أن يمتد الغضب الشعبي إلى حلفاء طرفي النزاع»، موضحاً أنه رغم ما رُصد مؤخراً من خلافات بين الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، فإن تصنيف البعض للأخير بكونه حليفاً لرئيس الحكومة يجعله في دائرة الاستهداف، والأمر ذاته سيتكرر مع محمد تكالة، رئيس المجلس الأعلى للدولة. ويعتقد القماطي أن «أطرافاً أخرى ستستفيد من الأزمة، من بينها البعثة الأممية»، عادّاً أن أي «تراجع في شعبية الحكومة قد يسهل مهمة البعثة في الدفع لتنفيذ خريطتها السياسية، التي أعلنت عنها مؤخراً، كما يسعى خصوم الدبيبة في الشرق إلى تسويق صورة مناطقهم على أنها الأكثر استقراراً».

عبد الحميد الدبيبة في لقاء سابق مع معاون رئيس الأركان

من جهته، يرى المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، أن أهالي العاصمة «سئموا تكرار الصراعات، وأدركوا أنها تخدم المصالح الشخصية للأطراف المتحاربة»، وشدّد على أن «هذا الوعي الشعبي المقرون بتجارب سابقة مؤلمة، استنزف كثيراً من رصيد الطرفين، حتى أن السكان لم يعودوا يثقون بأي خطاب يبرر المواجهات». وقلّل محفوظ من «أن تعرقل المواجهة حال حدوثها تنفيذ الخريطة السياسية للبعثة الأممية، والدفع باتجاه مشهد سياسي جديد بالبلاد».

مشاركة المقال: