الإثنين, 20 أكتوبر 2025 02:27 AM

الإخوان المسلمون في سوريا تطرح "وثيقة العيش المشترك" في محاولة لإعادة التموضع

الإخوان المسلمون في سوريا تطرح "وثيقة العيش المشترك" في محاولة لإعادة التموضع

أعلنت "جماعة الإخوان المسلمين" في سوريا عن إصدار وثيقة بعنوان "العيش المشترك"، وذلك يوم السبت. وقدّمت الجماعة هذه الوثيقة كرؤية تنظيمية لكيفية إدارة التعدد الديني والسياسي والاجتماعي في الدولة السورية المستقبلية.

تأتي الوثيقة بلغة مدنية موسّعة، وعلى الرغم من أنها لا تتضمن ردوداً مباشرة، إلا أنها تحمل إشارات سياسية واضحة. تقترح الوثيقة تحويل النقاش من منطق الاصطفافات إلى منطق القواعد، وتعرض تصوّراً لمجال عام تُدار فيه الخلافات من خلال التعاقد وليس الهيمنة، وتُضبط فيه العلاقة بين الدولة ومكوّناتها عبر المؤسسات والقوانين، لا عبر الولاءات الشخصية.

يثير إصدار الوثيقة تساؤلاً حول موقع الجماعة في المشهد الذي تسعى لتنظيمه: هل تُقدَّم الوثيقة بوصفها رأياً سياسياً من فاعل اجتماعي، أم كإطار تصوّري يمنح الجماعة دوراً مرجعياً؟ لا تكشف الوثيقة عن مستوى التشاور مع الأطراف الأخرى، ولا تتضمن مراجعة ذاتية لدور الجماعة في المراحل السابقة، مما يترك مجالاً لتأويلات متباينة حول ما إذا كانت الجماعة ترى نفسها طرفاً في الأزمة أم مراقباً يقدم توصيات عامة.

تنطلق الوثيقة من توصيف لسوريا كدولة خرجت من نظام ديكتاتوري طويل وتحتاج إلى عقد اجتماعي جديد يقوم على التفاهم والتعاقد، وليس على الإقصاء أو الاستقواء بالخارج. وتؤسس الوثيقة لذلك بإطار أخلاقي – ديني يربط وحدة الأصل الإنساني بفكرة التعارف والبر والعدل والتعاون، ثم تنقل هذا التأصيل إلى مفهوم "التعاقد" المستلهم من صحيفة المدينة، باعتباره أساساً لمواطنة تضبط علاقة الدولة بمكوناتها.

تحدد الوثيقة أدواراً للدولة في الحماية القانونية للحقوق والحريات، وإنفاذ العدالة الاجتماعية والاقتصادية والانتقالية، وإطلاق مبادرات للسلم الأهلي على المستويين المركزي والمحلي، وبناء شراكات مع منظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى مراجعة تربوية تُدخل قيماً مشتركة في التعليم والثقافة. وفي المقابل، تمنح الوثيقة المجتمع المدني وظيفة التنفيذ من القاعدة: بناء الهوية المشتركة عملياً، تعزيز الحوار الوطني، التوعية الأسرية المبكرة، وكسر ثقافة التحريض والانغلاق عبر مبادرات إعلامية وفنية وثقافية.

على مستوى القواعد الدستورية المقترحة للحياة العامة، تصف الوثيقة سوريا المنشودة بأنها دولة ديمقراطية تعددية تقوم على المواطنة وسيادة القانون وفصل السلطات، وتداول السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة، وتكفل حرية الاعتقاد وتجريم خطاب الكراهية، وتتيح المشاركة السياسية على أساس الكفاءة ضمن حريات عامة وفردية ينظمها الدستور. وتضيف الوثيقة إلى ذلك متطلبات الحكم الرشيد في إدارة القوة العامة والمال العام ضمن رقابة برلمانية وقضائية فعالة، مع تأكيد مبدأ المسؤولية الفردية الذي ينفي المؤاخذة الجماعية، وعصمة دماء وأموال جميع السوريين، وحرية التنقل، ومشاركة الناس في تقرير العلاقات المصيرية.

صدرت الوثيقة في مناخ سياسي متحرك شهد سجالاً علنياً حيال موقع الجماعة عقب دعوة لحلها، وجرت فيه أول انتخابات برلمانية بعد سقوط النظام السابق، كما ترافق مع حراك خارجي للرئاسة الجديدة. لا تقدم الوثيقة نفسها رداً مباشراً على أي من هذه الوقائع، لكنها عملياً تعيد صياغة سؤال المرحلة: ليس "من يبقى ومن يُحلّ"، بل "ما القواعد التي تحكم المجال العام، ومن يلتزم بها؟".

عملياً، تُعدّد الوثيقة ملفات تحتاج إلى إعادة نظر، منها: موقع المؤسسة العسكرية وحدود تدخلها وخضوعها للرقابة البرلمانية، احتكار الدولة لاستخدام القوة وفق القانون، الحريات العامة والفردية وتجريم خطاب الكراهية، وأدوار المجتمع المدني والتعليم في ترسيخ قيم المواطنة.

يمنح هذا البناء للوثيقة وظيفة مزدوجة. من جهة، يعيد تقديم الجماعة في موقع فاعل يسعى إلى العمل داخل "المساحة الوطنية المشتركة" بمرجعيات دستورية وإجرائية، لا بوصفها طرفاً يتشاجر على هوية خاصة. من جهة ثانية، يضع أمام جميع الفاعلين معايير قابلة للقياس: إلغاء المحاكم الاستثنائية، تفعيل الرقابة البرلمانية والقضائية على المؤسسة العسكرية، حماية حرية الاعتقاد إلى جانب تجريم الكراهية، وترسيخ المسؤولية الفردية بما يقطع الطريق على منطق الثأر.

في المحصلة، لا تُقرأ الوثيقة بمعزل عن سياقها؛ فهي تصدر في لحظة يُعاد فيها تشكيل المشهد السياسي من دون أحزاب ولا حياة سياسية. والسؤال هنا ليس فقط عن المضمون بل عن جدوى هذا النوع من المبادرات: هل تكفي لإعادة تثبيت موقع الجماعة؟ أم أن المعادلة الجديدة تُرسم من دونها؟ الجماعة تعرض تصوراً مدنياً وتطلب شراكة، لكن السلطة تبدو ماضية في هندسة المجال العام وفق شروطها. الوثيقة لا تحسم هذا الجدل، لكنها تضعه على الطاولة.

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: