الإثنين, 1 سبتمبر 2025 07:36 AM

سوريا: القطاع الصحي المتهالك يترك المرضى في مواجهة مصيرهم

سوريا: القطاع الصحي المتهالك يترك المرضى في مواجهة مصيرهم

موفق الخوجة | سدرة الحريري | سندريلا البلعة | مارينا مرهج

يشهد القطاع الطبي في سوريا تدهورًا مستمرًا نتيجة الحرب المستمرة منذ 14 عامًا، وما خلفته من أعمال عسكرية وتقسيمات لمناطق النفوذ والسيطرة، بالإضافة إلى العقوبات المفروضة بسبب أعمال العنف التي ارتكبها النظام السوري السابق. وعلى الرغم من سقوط النظام، لا يزال القطاع الصحي يعاني من تدهور في الخدمات المقدمة، وذلك بالرغم من الجهود التي تبذلها وزارة الصحة، والحملات التي تنظمها المنظمات المحلية والدولية والأممية، والتي تقدم الدعم والتمويل والاستشارات والمعدات الطبية، بالإضافة إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا منذ سنوات.

تتناول عنب بلدي في هذا الملف أبرز المشكلات التي يواجهها السوريون في المجال الصحي، والتحديات التي تواجه وزارة الصحة، وسبل تجاوزها، وذلك من خلال استضافة بعض صناع القرار وممثلين عن منظمات محلية وأممية.

مرضى محاصرون

يعاني القطاع الصحي في سوريا من أزمة حادة تهدد حياة المرضى يوميًا، حيث تتفاقم معاناتهم بسبب نقص المستلزمات الطبية، وضعف البنية التحتية، وارتفاع تكلفة العلاج في القطاع الخاص. وتكشف شهادات عديدة من المرضى وأهاليهم عن الانتظار الطويل للعمليات، وعدم توفر الأسرّة والأجهزة الأساسية، في ظل تدهور التجهيزات في المستشفيات الحكومية. تعكس هذه الأزمة واقعًا مزمنًا يواجهه آلاف السوريين يوميًا، وتطرح تحديات كبيرة أمام قدرة الدولة على تقديم خدمات طبية آمنة وفعّالة.

المستشفى الجامعي بمدينة حلب- 28 آذار 2025 (عنب بلدي/ محمد ديب بظت)

عجز في المستشفيات

منال قاسم، ابنة أحد المرضى، صرحت لعنب بلدي أن والدها كان بحاجة إلى عملية قسطرة قلبية، ولكنه انتظر ثلاثة أشهر كاملة حتى تدهورت حالته الصحية، مما اضطر العائلة إلى الاستدانة لإجراء العملية في أحد المستشفيات الخاصة. وأضافت: "كنا سنفقد والدي لو تأخرنا أكثر في العلاج".

وفي شهادة أخرى، تحدثت عبير مقداد عن معاناة مشابهة، قائلة: "الوضع في المستشفيات سيئ للغاية، اصطحبنا والدتي وهي في حالة إنهاك شديد، لكنهم أخبرونا بعدم توفر أسرّة أو أجهزة. حتى النظافة الأساسية غائبة عن هذه المرافق".

ومع تراجع البنية التحتية، ونقص الكوادر الطبية والمعدات الأساسية، باتت رحلة البحث عن سرير أو جهاز طبي أشبه بمعاناة تضاف إلى ألم المرض نفسه. وتشير تقديرات منظمة "أطباء بلا حدود" إلى أن القطاع الصحي في سوريا يحتاج بشكل عاجل إلى نحو أربعة مليارات دولار لتأمين الحد الأدنى من الخدمات الطبية.

ولا تنفصل الأزمة الصحية عن الواقع الاقتصادي المنهك في سوريا، إذ يقدّر "البنك الدولي" أن الاقتصاد السوري انكمش بنسبة 84% بين عامي 2000 و2023. كما تراجعت الصادرات من 18.5 مليار دولار إلى أقل من ملياري دولار فقط، فيما انخفضت الواردات من 23 مليارًا إلى نحو 6.5 مليار دولار، مما قلّص قدرة الدولة على تمويل القطاعات الحيوية وفي مقدمتها الصحة.

وفي العاصمة دمشق وريفها، شهد مستشفيا "المجتهد" و"المواساة" وعدة مستشفيات أخرى أزمة في المستلزمات الطبية والمستهلكات الإسعافية الأساسية المستخدمة يوميًا في أقسام الطوارئ والعناية. هذا النقص المستمر يتسبب بمشكلات يومية ومشاحنات بين المرضى وذويهم من جهة، والكادر الطبي من جهة أخرى، ويدفع الأهالي إلى شراء أبسط الأدوات الطبية مثل الحقن (السرنجات) ونواقل السيروم على نفقتهم الخاصة.

حذر تقرير صادر عن منصة "Health Policy Watch" من أزمة بالقطاع الصحي في سوريا، في ظل ضعف الحوكمة، وهجرة الكوادر، وتردي البنية التحتية، وسط تحديات مالية وأمنية متزايدة.

وأشار التقرير، الذي نُشر في 5 من آب الحالي، إلى أن نظام الرعاية الصحية في سوريا يعاني من أزمات متعددة، أبرزها نقص التمويل، وغياب الكوادر المدربة، بالإضافة إلى التحديات الأمنية التي تعوق أي تقدم في تطوير هذا القطاع الحيوي.

وبحسب ما ذكره التقرير، فإنه وفقًا لتقديرات الحكومة السورية، تعرّض نحو 40% من البنية التحتية للرعاية الصحية في سوريا للدمار خلال سنوات الحرب، وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة تأمين تمويل لإعادة الإعمار، تواجه تحديات كبيرة بسبب تعدد الأزمات الإنسانية وانخفاض استجابة المانحين.

أما على صعيد التجهيزات، فأوضح وزير الصحة، مصعب العلي، أن أحدث المعدات الطبية في القطاع العام تعود لعام 2011، مما يعكس حجم التأخر التقني. وتواجه سوريا حاليًا نقصًا في أجهزة غسل الكلى والتصوير بالرنين المغناطيسي، إضافة إلى أساسيات كسيارات الإسعاف.

اللجوء إلى المستشفيات الخاصة

مدير مستشفى "قطنا الوطني" بريف دمشق، وائل الأمين، قال لعنب بلدي، إن ارتفاع تكلفة العلاج في القطاع الخاص، حيث تصل صورة الرنين المغناطيسي إلى نحو 500 ألف ليرة سورية (نحو 50 دولارًا أمريكيًا)، دفع المرضى للاعتماد بشكل متزايد على المستشفيات العامة مثل "المجتهد" و"المواساة". ورغم أن بعض الفحوص في المستشفيات العامة أرخص مقارنة بالقطاع الخاص، مثل الطبقي المحوري الذي يكلف نحو 20 ألف ليرة (دولاران) مقابل 400 ألف ليرة خارجيًا (40 دولارًا)، فإن طول مدة الانتظار وضعف الطاقة الاستيعابية يجعل الحصول على هذه الخدمة صعبًا ومرهقًا.

يضاف إلى ذلك غياب دعم واضح في إطار التأمين الصحي، إذ لا تغطي شركات التأمين تكاليف العلاج بشكل فعّال، مما يترك المرضى أمام أعباء مالية متزايدة. أدى هذا الضغط المتزايد إلى أعطال متكررة في الأجهزة، نتيجة الاستهلاك المفرط، مما يطيل فترات الانتظار ويؤخر المواعيد الطبية للمرضى.

وبحسب ما رصدته عنب بلدي، فإن العديد من المستشفيات الحكومية صارت تطالب المرضى بشراء المستهلكات الطبية اليومية بأنفسهم، مثل القطن والشاش ومحلول "البوفيدون"، وهو ما يضاعف الأعباء المالية على الأسر التي تعاني أصلًا من تكلفة العلاج المرتفعة.

ويشير أطباء إلى أن هذا النقص لا يعكس فقط ضعف التمويل، بل أيضًا خللًا في إدارة المخزون الطبي داخل المستشفيات، مما يجعل المرضى يدفعون ثمن التقصير على حساب صحتهم.

وقال مدير مستشفى "قطنا"، وائل الأمين، إنه بعد سقوط النظام السابق، فُتحت مستودعات الوزارة لتوزيع المواد الطبية المخزنة مسبقًا، مما وفر إمدادات لفترة قصيرة، لكن سرعان ما بدأ النقص يظهر من جديد بسبب عدم شراء مواد جديدة. ولم تعد مستلزمات أساسية مثل الشاش والقطن متوفرة، واضطرت المستشفيات للاعتماد على المجتمع الأهلي والمنظمات لسد هذا العجز.

وأكد الأمين أن دور وزارة الصحة أساسي في هذا المجال، إذ لا يمكن تحميل المواطنين مسؤولية تأمين المستلزمات اليومية.

أزمات البنية التحتية

وعن مشكلة تأخير العمليات الجراحية قال الأمين، إنه في بعض المستشفيات، قد يتأخر موعد العملية لشهرين أو أكثر، إما بسبب نقص مواد التخدير أو ضعف التنسيق الإداري أو حتى سوء أخلاقيات بعض الأطباء، مما يدفع المرضى للجوء إلى القطاع الخاص رغم تكاليفه الباهظة. وفي مستشفيات الأرياف، يُحدد يوم أو يومان فقط لإجراء العمليات، مما يضاعف الضغط على الكادر الطبي المحدود.

وسط هذا التدهور المستمر، يجد المرضى أنفسهم محاصرين بين عجز المستشفيات العامة وارتفاع تكلفة العلاج في القطاع الخاص. وبحسب ما تحدث أطباء لعنب بلدي، فإنهم يرون أن معالجة الأزمة تتطلب مزيجًا من الإصلاح الإداري، ودعم الكوادر الطبية وحمايتها، وتأمين المستلزمات الأساسية، فيما يجب التخلص من المحسوبيات التي عادت إلى المشهد من جديد.

مرضى يتلقون العلاج في مستشفى السقيلبية الوطني في حماة – 20 آب 2025 ( عنب بلدي/إياد عبد الجواد)

التحديات أمام جهود الترميم

تسعى الحكومة السورية إلى ترميم النقص في ملف الصحة، عبر تعاقدات مع منظمات ومؤسسات عالمية، وإصلاح مراكز طبية وإطلاق حزم مشاريع لدعم القطاع. وشهد القطاع الصحي خلال الفترة الماضية ترميم أكثر من 40 مركزًا صحيًا و13 مستشفى، إلى جانب افتتاح 12 مركزًا جديدًا، كما جرى تزويد المنشآت الصحية بـ188 جهازًا طبيًا، ومحطات أكسجين، ومصادر للطاقة الشمسية.

وكشف مدير مديرية التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الصحة، زهير قراط، خلال حفل إطلاق حزمة من المشاريع الصحية بالتعاون مع منظمة "الأمين"، حضرته عنب بلدي، أن عدد المنشآت الصحية التابعة لوزارة الصحة وحدها (باستثناء منشآت وزارات التعليم العالي والدفاع والداخلية) يبلغ في شمال غربي سوريا 114 مستشفى، يعمل منها 64 مستشفى بشكل كامل و19 بشكل جزئي، في حين أن هناك نحو 106 منشآت قيد الإنشاء، إضافة إلى سبعة مستشفيات في مناطق شمال شرقي سوريا، و18 مستشفى خارج الخدمة كليًا.

وعن منظومة الإسعاف، بيّن أن الوزارة بدأت عملها عقب سقوط النظام السوري السابق بأقل من 200 سيارة إسعاف، بينما ارتفع العدد اليوم إلى 302 سيارة تنفذ نحو 15,700 إحالة شهريًا، ما يعد "تطورًا ملموسًا لكنه غير كافٍ" لتلبية الاحتياجات المتزايدة، بحسب قرّاط.

تحديات

تعمل وزارة الصحة حاليًا على ترميم عدد من المراكز الصحية والمستشفيات ومراكز الرعاية الأولية في مختلف المحافظات، في محاولة لتقليل الفجوات القائمة وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.

واستعرض قرّاط جملة من التحديات التي تواجه القطاع الصحي في سوريا، مشيرًا إلى أن الوزارة، رغم جهودها، لا تزال تعاني من أعباء كبيرة تتطلب تعاونًا واسعًا لتجاوزها.

  • البنية التحتية: تشكل واحدة من أبرز المشكلات، إذ إن ما بين 48 و55% من المنشآت الصحية تحتاج إلى ترميم كلي أو جزئي، وتعمل الوزارة بالتعاون مع الحكومة والجهات الشريكة على إعادة تأهيلها وفق الأولويات الصحية.
  • الكوادر البشرية: نقص واضح في بعض التخصصات نتيجة ما مارسه النظام السابق من قتل واعتقال واستهداف للكوادر الطبية وقصف للمنشآت الصحية، ما دفع أعدادًا كبيرة من الكوادر إلى الهجرة.
  • المستلزمات الطبية: هناك احتياج كبير للمستهلكات الطبية والأجهزة، وتسعى الوزارة إلى تأمينها عبر الشراء المباشر أو من خلال التعاون مع الشركاء.
  • التمويل، تعمل الوزارة مع الخبراء على وضع خطة شاملة للتمويل الصحي للأعوام المقبلة، ضمن استراتيجيتها العامة.
  • الأتمتة: غياب البيانات الدقيقة كان أحد التحديات عند تسلّم الوزارة للقطاع الصحي، لكن يجري حاليًا العمل على جمع البيانات من خلال المسوح الصحية المستمرة لبناء قاعدة بيانات حقيقية تمكّن من التخطيط الاستراتيجي السليم.
  • مواجهة الطوارئ والكوارث الصحية: تم إنشاء مركز خاص للاستجابة داخل وزارة الصحة، وتعمل الوزارة على وضع هيكلية وآليات واضحة للتعامل مع أي كارثة محتملة.
  • الصحة النفسية والجراحات النوعية: هناك تحديات في هذا الجانب، إضافة إلى قدم التجهيزات الطبية، إذ إن معظم الأجهزة المستخدمة يعود عمرها إلى أكثر من 20 عامًا.

ونوه قرّاط إلى أن التعاون مع المنظمات المحلية والدولية ووكالات الأمم المتحدة، كان له أثر كبير في تحسين النظام الصحي، ليس فقط من خلال زيارة الأطباء والعمليات الجراحية، بل أيضًا عبر تدريب الكوادر الطبية، وتأمين المستلزمات والمعدات الطبية، وإطلاق مشاريع حيوية ترفع كفاءة النظام الصحي وجودة الخدمات الصحية في سوريا.

وزير الصحة السوري مصعب العلي خلال جولته في مشفى الرازي بحلب – 14 حزيران 2025 (عنب بلدي/ ديان جنباز)

جهود دولية

في الوقت الذي تراجعت فيه أهم المبادرات الطبية في سوريا مثل "الجمعية الطبية السورية الأمريكية" (SAMS) التي كانت تلعب دورًا بارزًا في تقديم الرعاية الصحية بمحافظة إدلب شمالي سوريا، بسبب تجميد جزئي أو توقف التمويل الأمريكي لها، بالإضافة إلى تصاعد أعمال العنف العسكري وتهديد سلامة العاملين والبنى التحتية، شكّل سقوط النظام السوري في 8 من كانون الأول 2024 نقطة تحوّل كبيرة، إذ تمكنت منظمات دولية، من دخول مناطق كانت مغلقة أمامها سابقًا.

"شفاء"

أبرز هذه الخطوات كانت الحملة الطبية القادمة من ألمانيا، وهي مبادرة من أطباء سوريين مقيمين هناك، يعملون ضمن فريق "شفاء" الطبي، وهو فريق تم تأسيسه وتنظيمه مباشرة بعد سقوط النظام السابق، لتقديم الدعم الطبي والإغاثي للمناطق المحتاجة.

رئيس قسم الجراحة الحشوية في مستشفى "هانوفر- مندن" التابع لجامعة "جوتنجن" في ألمانيا، ورئيس فريق "شفاء" الطبي، الدكتور مهدي العمار، ذكر لعنب بلدي أنه بناء على دراسة شاملة للواقع الصحي والطلاع على المعوقات والصعوبات التي يواجهها القطاع الطبي، تبيّن وجود نقص في الإمدادات الطبية والمواد والمستهلكات الأساسية والأدوية والبنية التحتية، إضافة إلى ضعف الوضع الاقتصادي وارتفاع تكاليف العمليات الجراحية. كما أشار إلى قلة عدد الأطباء وارتفاع أعداد المرضى على قوائم الانتظار، وصعوبة وجود الشركات الدوائية أو الطبية في السوق المحلي.

كل هذه التحديات مجتمعة أدّت إلى إطلاق مبادرة تتمثل في إرسال حملات طبية تضم أطباء سوريين مقيمين في الخارج، بهدف تقديم المعالجات الطبية المجانية بشكل مباشر للمحتاجين. ونظم الفريق حملة "شفاء 1" في نيسان الماضي، لمدة ثلاثة أسابيع، حيث تم خلالها إجراء حوالي 700 عملية جراحية، ومعاينة ما يقارب 4,000 مريض، وتنظيم ورشات تدريبية وتعليمية للكوادر الطبية المحلية، تضمنت 34 دورة علاجية وتعليمية.

بلغ عدد المناطق المغطاة في الحملة تسع محافظات، وشارك فيها 110 أطباء عملوا في نحو 17 مستشفى.

الحملة الثانية

حملة "شفاء 2" انطلقت من منتصف تموز وحتى نهاية آب. وقدم الفريق خلال الحملة نحو 1,000 عملية جراحية، ومعاينة ما يقارب 6,000 مريض، إضافة إلى تقديم "كورسات" تدريبية وتعليمية ومحاضرات للكوادر الطبية المحلية بإجمالي يقارب 600 ساعة تدريب وتعليم. واستهدفت الحملة 11 محافظة، وشارك فيها 130 طبيبًا في حوالي 40 مستشفى، ويأتي معظم هؤلاء الأطباء من ألمانيا، مع مشاركة عدد قليل من فرنسا والسويد وبريطانيا.

دعم لوجستي وفني

شملت أنشطة الحملة تقديم دعم تقني ولوجستي لعدد من المستشفيات، من خلال تزويدها بأجهزة ومعدات طبية متطورة، توزعت على مستشفيات في درعا ودمشق وحلب وحمص ودير الزور. الدعم الهندسي تمثل بصيانة وتقييم الأجهزة الطبية المعطلة في المستشفيات بدرعا ودمشق وحمص وحلب، عبر فرق هندسية تابعة لفريق "شفاء" ومنظمة "الأطباء المستقلين".

وبسبب الوضع الطارئ في الجنوب السوري، أكد العمار أنه تم تنظيم شبكة دعم طبي بين كوادر حملة "شفاء" في مستشفيات الجنوب لتقديم الخدمات الطارئة لمصابي الجروح الرضّية والنزفية والإصابات الحربية، مع تزويد المستشفيات بالخيام الطبية، وسيارات الإسعاف والمواد الإسعافية والمستهلكات الطبية.

بلغت تكاليف حملة "شفاء 2" حوالي مليوني يورو، أما الحملة الأولى فبلغت حوالي 700,000 يورو.

وزير الصحة السوري وإلى جانبه الممثلة المؤقتة لمنظمة الصحة العالمية في سوريا كريستينا بيثكي – 7 أيار 2025 (وزارة الصحة)

"الأمين" تدعم

في تصريح لعنب بلدي، أوضح وزير الصحة، مصعب العلي، أن التعاون مع منظمة "الأمين" بدأ منذ ما قبل سقوط النظام السوري السابق، في شمال غربي سوريا، واستمر بعد سقوطه. وأشار إلى أن حكومة تصريف الأعمال، حينها، بذلت جهودًا كبيرة لإبرام اتفاقيات مع المنظمة، وهو النهج الذي تواصل الوزارة العمل به اليوم مع "الأمين" وغيرها من الجهات.

وبيّن العلي أن لمنظمة "الأمين" دورًا طويل الأمد في القطاع الصحي، وأن ثمار بعض مشاريعها بدأت بالظهور فعليًا، موضحًا أن عددًا من المراكز الصحية التي جرى التخطيط لتجهيزها ستدخل الخدمة قريبًا، إضافة إلى تشغيل الأجهزة الطبية التي وُعد بإيصالها. كما أكد أن التعاون مع "الأمين" لم يقتصر على تجهيز المرافق الصحية، بل شمل مجالات متعددة، مثل تدريب الكوادر التخصصية، وتنظيم الحملات الطبية، وتنفيذ عمليات نوعية، وهي خطوات يرى أنها تمس حياة المواطنين بشكل مباشر وتسهم في تحسين ظروفهم الصحية.

وأضاف العلي أن الوزارة حصلت على وعود دعم من قطر، والبحرين، والكويت، بانتظار تحويل هذه الوعود إلى بروتوكولات فعلية.

من إيطاليا

لفت إلى أن الوزارة أعلنت، في 22 من آب الحالي، توقيع اتفاقية مع منظمة "Emergency" الإيطالية، لإعادة تأهيل وتجهيز مستشفى "الرستن" في حمص، إلى جانب اتفاقية مع تركيا لإعادة تأهيل مستشفى القلب في دمر، ومستشفى الأورام في حلب، مشددًا على أن هذه المشاريع سترى النور قريبًا.

وقّعت وزارة الصحة السورية مع منظمة "الطوارئ الإيطالية" (Emergency)، مذكرة تفاهم لإعادة تأهيل مستشفى الرستن في ريف حمص الشمالي، بقيمة 20 مليون دولار. كما تبدأ الفرق الهندسية، في أيلول، بدراسة المشروع ووضع المخططات لتأهيل قسم الإسعاف كأولوية لإنقاذ الحالات الطارئة، ولاحقًا يشمل التأهيل جميع الأقسام. مدة التنفيذ والتشغيل والترميم والتجهيز من ستة إلى ثمانية أشهر، والمستشفى يعمل بكامل طاقته خلال سنة تقريبًا، وستتولى المنظمة تشغيله لمدة سنتين بعد التأهيل (الإجمالي ثلاث سنوات). الخدمات المتوقعة هي الجراحة العامة، وجراحة الأطفال، والنسائية والتوليد، وجراحة القلب والقسطرة.

وزير الصحة، مصعب العلي، أكد أن مذكرة التفاهم أقرب لاتفاقية، وعلى الوزارة السعي لتنفيذها، مع إمكانية البحث عن بدائل إذا لم تتوفر الموارد.

"أطباء بلا حدود" تعود إلى سوريا

تمكنت منظمة أطباء بلا حدود، بعد سقوط النظام، من الوصول إلى المناطق التي كان يتعذر الوصول إليها سابقًا. وخلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، قدمت منظمة "أطباء بلا حدود"، بالتعاون مع وزارة الصحة السورية، أكثر من 396,200 استشارة خارجية من بينها استشارات الأمراض غير المعدية، و135,700 استشارة في غرف الطوارئ، و125,900 استشارة للأطفال، و85,400 استشارة في مجال الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية، و23,800 قبول في قسم المرضى المقيمين.

وتعمل المنظمة في ستة مستشفيات، و15 مركزًا أو عيادة صحية، في 11 محافظة سورية، كما تدير عددًا من العيادات الميدانية.

عند مفترق طرق..

"الصحة العالمية" تعد بالدعم

يُعدّ النظام الصحي في سوريا عند مفترق طرق حاسم، ينتقل من سنوات الصراع نحو مرحلة التعافي، بحسب الممثلة المؤقتة لمنظمة الصحة العالمية في سوريا، كريستينا بيثكي، التي اعتبرت أن ما أسمتها "الأهداف الوطنية الصحية" التي أعلنتها الحكومة في تموز الماضي، خارطة طريق واضحة لإنقاذ القطاع. تشمل الخارطة، وفق حديث بيثكي إلى عنب بلدي، توسيع نطاق الرعاية الصحية الأولية العادلة، وضمان توفر الأدوية بشكل موثوق، والاستثمار في القوى العاملة الصحية، ودمج خدمات الصحة النفسية ضمن الخدمات العامة.

ممثلو منظمة الصحة العالمية اجتمعوا مع وزير الصحة السوري، مصعب العلي، في 13 من تموز الماضي، بهدف إعادة توزيع القوى العاملة في القطاع الصحي بين الريف والمدينة وتعزيز كفاءة الخدمات الصحية. وتطرق الاجتماع حينها إلى أساليب التخطيط الحديثة واستراتيجية "هيلما" في تحليل أسواق العمل بهدف إنشاء قاعدة بيانات دقيقة ومحدثة للقطاع الصحي في سوريا.

كما عقدت المنظمة اجتماعًا عبر تقنية الاتصال المرئي مع وزارة الصحة وشخصيات حكومية عاملة في القطاع الصحي، في 29 من تموز، لتعزيز الدعم التقني لتطوير الصناعات الدوائية، وإيجاد حلول للتمويل الصحي المستدام، إضافة إلى تطوير الخبرات في ضبط العدوى وسلامة المرضى، وتحسين مخابر الرقابة الصحية، ووضع معايير جديدة لاعتماد المستشفيات كمراكز تدريبية.

فرق طبية تجلي جرحى من مناطق تعرضت لحرائق في ريف اللاذقية – 5 تموز 2025 (وزارة الصحة)

منظمة الصحة العالمية

تقول منظمة الصحة العالمية إنها تكرّس جهودها لتحقيق رفاه جميع الأفراد مسترشدة في ذلك بالعلم، وتقود وتدعم الجهود العالمية الرامية إلى تمكين كل فرد، في كل مكان، من فرصة متساوية لعيش حياة آمنة وصحية. ومنذ عام 1948، أصبحت المنظمة وكالة الأمم المتحدة المتخصصة في الصحة التي تربط بينها وبين الشركاء والمجتمعات المحلية وتعمل على تعزيز التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه لجميع الأفراد، بغض النظر عن العرق أو الدين أو النوع الاجتماعي أو المعتقد السياسي أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية. وتعمل "الصحة العالمية" مع 194 بلدًا وعلى الخطوط الأمامية في أكثر من 150 موقعًا، حيث تقود استجابة العالم لحالات الطوارئ الصحية، والوقاية من الأمراض، ومعالجة الأسباب الجذرية للقضايا الصحية وتوسيع نطاق إتاحة الأدوية والرعاية الصحية.

خطوات لنجاح الإصلاحات

لنجاح هذه الإصلاحات، قالت بيثكي، إنه لا بد أن ترافقها عوامل تمكينية عملية، تتمثل بتمويل متوقع ومستدام، واستثمار في البنية التحتية، واتخاذ إجراءات لإعادة جذب الكوادر الصحية التي غادرت البلاد. ودعت بيثكي إلى توفير أجور معيشية، وسكن آمن ومناسب، ومدارس للأطفال، وفرص كسب عيش لأفراد أسرهم، بالإضافة إلى تضمين الاستعداد للطوارئ في هذه الإصلاحات، حتى يصبح النظام قادرًا على الصمود في وجه الصدمات المستقبلية.

وقالت إن منظمة الصحة العالمية تدعم هذه الجهود من خلال المساعدة في إعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية، وتدريب الكوادر الطبية، وتوسيع نطاق الترصد الوبائي، وتعزيز آليات الحوكمة والتمويل، بهدف جعل القطاع الصحي محركًا للاستقرار والتعافي.

رفع العقوبات خطوة أولى

عرقلت العقوبات التي فرضتها أمريكا والدول الأوروبية على سوريا منذ سنوات، إدخال بعض الأجهزة الطبية وقطعها، باعتبار أن بعضها يُستخدم لأغراض عسكرية. مدير مستشفى "قطنا الوطني"، وائل الأمين، ذكر لعنب بلدي أن العقوبات الاقتصادية كان لها دور في تدهور وضع القطاع الصحي في سوريا، إذ إنها لم تستثنِ المنشآت الصحية، وشملت مستشفيات كبرى مثل "تشرين" العسكري، و"الأطفال"، و"المواساة"، إضافة إلى وزارة الصحة نفسها، مما عقّد عملية استيراد الأجهزة والمستلزمات الطبية.

ورغم تحسن جزئي في السنوات الأخيرة، فإن الأجهزة المتاحة ما زالت قديمة، وبعضها يعود لسبعينيات القرن الماضي ولا يزال قيد الخدمة.

بيثكي قالت إن العقوبات شكلت لفترة طويلة عائقًا أمام القطاع الصحي في سوريا، حيث تسببت في تأخير عمليات الشراء، وإحجام الموردين، وتعطيل الصيانة والضمانات، وتقليص إنتاج الأدوية المحلي. وأضافت أن المستشفيات في سوريا تكافح للتعامل مع المعدات القديمة، ويواجه المرضى نقصًا حادًا في الأدوية الأساسية.

ومع سقوط النظام، والانفتاح الأمريكي على الحكومة السورية التي أطاحت بحكم الأسد، بدأت واشنطن برفع العقوبات تدريجيًا، وسمحت مؤخرًا بتصدير المنتجات الأمريكية، ذات الطابع المدني إلى سوريا دون قيود. ورغم تخفيف الإجراءات، فإن عملية التعافي والتحسن في القطاع الصحي ستستغرق وقتًا، بحسب بيثكي، إذ لا بد من استعادة ثقة الموردين، وتسهيل تدفق قطع الغيار والبرمجيات، واستقرار التمويل للمرافق الصحية.

وأشارت الممثلة للمنظمة العالمية إلى تحديات أوسع، إذ إن أكثر من نصف المرافق الصحية متضررة أو غير عاملة، وما يصل إلى 70% من الكوادر الصحية غادرت سوريا خلال الحرب التي امتدت 14 عامًا. من جانب آخر، لفتت بيثكي إلى أن نحو 250 منشأة صحية في الشمال السوري، تواجه خطر الإغلاق بسبب نقص التمويل، كما يواجه التعافي قيودًا كبيرة، مثل انعدام الأمن، ونقص السيولة، وخدمات أساسية غير كافية تعوق عودة العاملين في المجال الصحي، إلى جانب وجود ثغرات تشريعية، وبنية تحتية متهالكة، ومناخ استثماري غير مستقر.

واعتبرت أن تخفيف العقوبات خطوة أولى ضرورية، لكن لا بد من أن يترافق ذلك مع استثمارات استراتيجية في العدالة الصحية، وإصلاحات في الحوكمة، ودعم مستدام لضمان أن يلمس المواطن السوري العادي تحسنًا حقيقيًا وعادلًا في إمكانية الحصول على الرعاية الصحية.

مشاركة المقال: