الخميس, 28 أغسطس 2025 02:27 AM

ترامب وأزمة العالم: هل يسعى لإنقاذ أمريكا أم تدمير الكوكب؟

ترامب وأزمة العالم: هل يسعى لإنقاذ أمريكا أم تدمير الكوكب؟

ألكسندر نازاروف

الاقتصاد هو أساس حياة المجتمع البشري، والسياسة مشتقة منه، وهي بديهية لا تحتاج إلى إثبات. لفهم العمليات السياسية المختلفة، والتنبؤ بما سيحدث، يجب فهم الاقتصاد الكلي جيدًا.

عندما أسمع عن إمكانية عقد صفقة بين الولايات المتحدة وروسيا، أو حتى مع الصين، أو عن إعادة تشغيل وإصلاح الولايات المتحدة، أفهم أن صاحب هذه الأحلام يعيش في عالم منفصل عن الواقع.

العملية الرئيسية التي يشهدها العالم اليوم هي أزمة فائض الإنتاج. الصين والغرب ينتجان أكثر مما تستطيع البشرية استهلاكه، حتى بالائتمان. ونتيجة لذلك، من المتوقع انخفاض كبير في الإنتاج والاستهلاك، ربما بمقدار الثلث أو النصف. السياسة العالمية تدور الآن حول سؤال: أي من مركزي الإنتاج الرئيسيين سيُجبر على خفض إنتاجه واستهلاكه، وبالتالي يواجه انهيارًا سياسيًا وعواقب وخيمة، الصين أم الغرب؟ هذا التصور مستخلص من تجربة انهيار الاتحاد السوفيتي.

جميع الصراعات الأخرى، بما في ذلك الصراع بين روسيا والغرب على أراضي أوكرانيا، أو الصراع بين إسرائيل وجيرانها العرب والمسلمين، هي جزء من هذا الصراع الكبير، ولا يمكن حلها دون تحديد المنتصر في الصراع الرئيسي: الولايات المتحدة أم الصين.

هذا الصراع المركزي يحدد المنطق ويحدد الزاوية لتحليل كل ما يحدث في السياسة الدولية على المستوى الكلي.

تصرفات دونالد ترامب فوضوية ولا تتوافق مع أي سيناريو عملي واقعي.

مع روسيا، يسعى ترامب لتحقيق المستحيل. عليه إخراج روسيا من تحالفها مع الصين، أو على الأقل من الشراكة الإيجابية معها، لأنه في حال فرض حصار بحري على الصين (لدى منظمة “أوكوس” القوة الكافية لفرض مثل هذا الحصار)، ستكون روسيا سندا قويا وجسرا موثوقا به للصين إلى بقية العالم. وما دامت الصين وروسيا تدعمان بعضهما البعض في مواجهتهما مع الولايات المتحدة، فهما لا تقهران.

من الممكن خنق روسيا اقتصاديا بسهولة (إذا لم نأخذ في الاعتبار خيار الحرب النووية) إذا ما قطعت علاقاتها مع الصين. أي أنه نظريا، وفي اللحظة التي يتم فيها إبرام صفقة بين الولايات المتحدة وروسيا لوقف دعم بكين، لن تكون واشنطن حينها بحاجة إلى التفاوض مع موسكو بالأساس، لأن الأخيرة ستصبح في غاية الهشاشة.

التوصل إلى اتفاق بين روسيا والولايات المتحدة ضد الصين هو أمر مستحيل، وأكثر استحالة مع ترامب، الذي من المرجح أن يصبح رئيسا بلا ولاية خلال عام، أو يفقد منصبه. وفي ظل انقسام النخبة الأمريكية، أصبحت الولايات المتحدة عاجزة عن التوصل إلى أي اتفاق، لأن تصاعد السخط الشعبي سيدفع القوى المتعارضة إلى السلطة الواحدة تلو الأخرى، ما سيغير مسارها إلى الاتجاه المعاكس.

إدارة أوباما بدأت، من خلال الانقلاب في أوكرانيا عام 2014، مواجهة مع روسيا، ولم يتبق للولايات المتحدة مخرج سوى النصر أو الهزيمة. لا خيار ثالث، بعدما امتدت الحرب إلى ما هو أبعد من ذلك، وتكبدت الأطراف خسائر وتكاليف اقتصادية لا يمكن تعويضها إلا على حساب العدو، وسينظر على أي “تعادل” في كلا البلدين على أنه هزيمة، ما سيؤدي حتما إلى اضطرابات سياسية حادة. تجميد الصراع من هذا المنطلق هو أمر مستحيل أو شبه مستحيل.

استمرار الحرب مع روسيا وإطالة أمدها دون تحقيق نتيجة واضحة هو الوضع الطبيعي لترامب في ظل الظروف الراهنة. الاتفاق مستحيل، والنصر مستحيل، والهزيمة غير مقبولة. إذن هو طريق مسدود.

وقد أعلن ترامب يوم أمس أن الولايات المتحدة ستتوقف عن إنفاق الأموال على أوكرانيا.

جوهريا، ورغم الخلافات الظاهرة، لا يزال الغرب متحدا اقتصاديا وسياسيا، بينما تستطيع الولايات المتحدة التصرف في أموال أوروبا. تجمع الولايات المتحدة الجزية من أوروبا، ويمكن لترامب استخدام هذه الأموال في هذا البند أو ذاك من بنود الإنفاق، للاستثمار في الولايات المتحدة، أو لتمويل الحرب مع روسيا، كما يتراءى له. وبهذا المعنى، لا يهم تقسيم حصص تمويل الولايات المتحدة أو أوروبا للحرب ضد روسيا، المهم هو النتيجة النهائية.

تصريحات ترامب الأخيرة تعد خبرا إيجابيا لروسيا، إلا أنني لن أتسرع بالقول إن الولايات المتحدة ستغادر أوكرانيا، فهذا غير صحيح. ما دامت أوروبا قادرة على تمويل أوكرانيا وتسليحها، بما في ذلك بالأسلحة الأمريكية التي اشترتها، فستواصل الولايات المتحدة محاربة روسيا.

الفكرة أنه إذا كان هدف ترامب هو إنقاذ الولايات المتحدة، فعليه استغلال الميزة الوحيدة التي لا تزال واشنطن تملكها: القوة العسكرية. ففي كل المجالات الأخرى، الولايات المتحدة فعليا تخسر.

ما يسمى بالقوة الناعمة بدأ بالموت في سجني أبو غريب وغوانتانامو، وانتهى في نهاية المطاف مع فرض أجندة المثليين والمتحولين جنسيا على العالم وأزمة الفنتنانيل التي أودت بحياة الملايين من مدمني المخدرات في الشوارع الأمريكية.

تراجعت القدرة على تشكيل تحالفات مع الحلفاء إلى مجرد الحاجة إلى استنزافهم، ومحاولة البقاء على قيد الحياة من خلال تسريع عمليات الأزمات في البلدان الحليفة.

خسرت الولايات المتحدة بالفعل المنافسة الاقتصادية أمام الصين، ومحاولات الشركات الأمريكية لنقل الإنتاج من الصين إلى الهند وفيتنام ودول مماثلة لن تؤدي إلا إلى زيادة عدد المتنافسين الناجحين وسرعة إزالة الصناعة من الغرب.

الحرب التجارية التي بدأها ترامب تضر الولايات المتحدة أكثر من أي أحد آخر، وذلك من خلال ارتفاع معدلات التضخم وتدمير النظام الاقتصادي العالمي الضروري لهيمنة الدولار والهيمنة الأمريكية.

بمعنى أن ترامب، وإن كان حقا يريد إنقاذ الولايات المتحدة، فلا ينبغي عليه أن ينخرط في حل النزاعات، بل على العكس من ذلك، في تدمير الكوكب، ودفع دول أخرى إلى ما دون المستوى الذي ستهبط إليه الولايات المتحدة نفسها. وكان عليه أن يبدأ خلال ولايته الأولى حربا مع الصين بذريعة أو بأخرى. هذا هو المنطق الحديدي الذي يمليه الاقتصاد، فلم يعد لدى الولايات المتحدة أي وسيلة أخرى للتأثير على الوضع.

بدلا من ذلك، نرى ترددا (دون نتائج) في العلاقات مع روسيا، وتجميدا مؤقتا للحرب مع إيران، وجهودا لإحلال السلام وانتصارات وهمية، وهي حيل مصممة كلها لإقناع الناخبين الأمريكيين بشيء ما بدلا من حل المشكلة فعليا. ترامب يناضل من أجل السلطة على سفينة تايتانيك التي تبحر بكامل قوتها نحو جبل الجليد.

إنه طريق مسدود، وترامب لا يدري ما يفعل، أو لا يستطيع الإقدام عليه. هو سيناريو القصور الذاتي، حيث يحاول السياسيون عدم التأثير على نتائج العمليات التاريخية الموضوعية، وإنما فقط تأخير وقوعها.

لهذا السبب توقفت عن متابعة تصريحات ترامب. أو ربما من أجل التسلية لا غير. لننتظر الاستفزاز الأوكراني الكبير القادم، ربما هو ما قد يسرّع الأمور، ولكن، وبينما لا يحدث شيء في العالم، يستمر ترامب في الدوران في حلقة مفرغة.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم

مشاركة المقال: