تشهد أسواق مدينة دمشق ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الخضراوات، حيث وصلت الزيادة إلى ما يقارب 100%، مما يضاعف الأعباء المعيشية على المواطنين الذين يواجهون صعوبات اقتصادية جمة لتأمين احتياجاتهم الأساسية. وقد قامت عنب بلدي برصد أسعار الخضراوات يوم الثلاثاء 19 من آب، من خلال جولة في أسواق المزة بمنطقة الشيخ سعد وكفرسوسة، بالإضافة إلى سوق "الهال" بدمشق.
أظهرت الجولة تقاربًا في أسعار الخضراوات بين سوقي المزة وكفرسوسة، بينما كانت الأسعار في سوق "الهال"، المخصص للبيع بالجملة، مختلفة. فقد ارتفع سعر كيلو البندورة والبطاطا من 3000 إلى 6000 ليرة سورية، وزاد سعر كيلو البصل من 2500 إلى 6500 ليرة سورية. أما الليمون، فوصل سعر الكيلو الواحد منه إلى 25000 ليرة بعد أن كان بـ15000 ليرة، بينما بلغ سعره في سوق "الهال" 20000 ليرة سورية. وسجل سعر كيلو الملوخية ما بين 18000 و20000 ليرة سورية، في حين ارتفع سعر كيلو الخيار من 5000 إلى 13000 ليرة سورية، ووصل إلى 12000 ليرة سورية في سوق "الهال".
يعتبر سوق "الهال" السوق المركزي لبيع الخضار والفواكه بالجملة، حيث يقوم المزارعون والتجار بتوريد بضائعهم ليتم بيعها بكميات كبيرة لتجار التجزئة، وهو بذلك يشكل حلقة الوصل الأساسية بين الإنتاج الزراعي والمستهلكين عبر المحال والأسواق.
أعباء إضافية
يشكل ارتفاع أسعار الخضراوات عبئًا إضافيًا على الأهالي في دمشق. وفي هذا السياق، قالت إيمان خضرة، وهي امرأة عاملة وأم لثلاثة أولاد، لعنب بلدي، إن أسعار الخضراوات ارتفعت بشكل مبالغ فيه خلال الفترة الأخيرة، مما زاد من الأعباء على ذوي الدخل المحدود. وأوضحت أن أسعار بعض الأصناف، مثل الكوسا والبندورة والخيار، تجاوزت الضعف، وأنها أصبحت تكتفي بكميات محدودة لتغطية حاجتها اليومية فقط. فبعد أن كانت تشتري كيلوغرامين من البندورة والخيار، أصبحت تكتفي اليوم بأربع حبات فقط، وترى أن الحل يكمن في ضبط الأسعار، خاصة وأن معظم هذه السلع محلية وليست مستوردة.
ويتفق فايز بردان، وهو موظف حكومي من سكان منطقة المزة، مع رأي إيمان، حيث قال لعنب بلدي، إن موجة الغلاء الحالية زادت من معاناته المعيشية بشكل كبير، وأنه بات يضطر إلى البحث طويلًا عن السعر الأقل بغض النظر عن الجودة. وأضاف أنه أصبح يقتصر على شراء الحاجات الأكثر ضرورة فقط، حتى تتناسب مع قدرته الشرائية المحدودة.
أربعة أسباب
أوضح رئيس لجنة تجار ومصدري الخضار والفواكه في دمشق، موفق الطيار، في حديث إلى عنب بلدي، أن موجة الحر الشديدة أثرت سلبًا على إنتاج الخضار والفواكه، وخاصة المحاصيل الصيفية مثل البندورة والخيار والكوسا وغيرها، مما أدى إلى تراجع الكميات الواردة إلى السوق عن المتوقع. وأضاف أن نقص البضائع المعروضة انعكس مباشرة على الأسعار، مشيرًا إلى أن الأسعار مرتبطة دائمًا بحجم الكميات المتوفرة، حيث يمكن أن تنخفض نسبيًا في حال زاد المعروض، أو ترتفع عند قلته. وأشار إلى أن الكميات القادمة من المزارعين تراجعت فعلًا نتيجة الظروف المناخية.
لم يقتصر ارتفاع الأسعار على الخضراوات فقط، بحسب ما قاله أمين سر جمعية حماية المستهلك في دمشق و ريفها، عبد الرزاق حبزة، في حديث إلى عنب بلدي، بل شمل أيضًا الفروج والبيض واللحوم والفواكه، حيث شهدت جميع هذه المواد سواء المستوردة أو المحلية زيادة خلال الأسبوع الماضي تراوحت بين 15 و20%. وأوضح حبزة أن أسباب الغلاء تعود إلى أربعة عوامل رئيسة اجتمعت في هذه الفترة، أولها موجة الحر غير المسبوقة التي أثرت على نمو المحاصيل وأدت إلى نضجها المبكر، مما استدعى جهدًا أكبر وتكلفة إضافية في اليد العاملة من أجل قطافها للحفاظ على المنتج. كما أسهم الجفاف وقلة المياه في رفع الحاجة إلى السقاية من مرة كل ستة أيام إلى مرة كل ثلاثة أيام.
وأضاف أن السبب الثالث يتمثل في ارتفاع سعر الصرف، الذي ترافق مع زيادة الرواتب وضخ كتلة نقدية كبيرة في الأسواق، مما انعكس مباشرة على الأسعار. أما السبب الرابع فهو وقف استيراد العديد من الخضار والفواكه، وهو قرار كان يهدف إلى حماية الإنتاج المحلي، لكن موجة الحر وانخفاض الكميات الواردة إلى سوق "الهال" وارتفاع تكاليف الطاقة، سببت زيادة إضافية في الأسعار. وأشار حبزة إلى أن ارتفاع الحرارة تسبب أيضًا في تلف بعض المنتجات بسرعة، إذ لم تعد البضاعة تتحمل البقاء لأيام كما في السابق، مما يحمّل المستهلك التكلفة النهائية.
وأضاف إن الأسعار قد تشهد استقرارًا نسبيًا في الفترة المقبلة مع انخفاض درجات الحرارة وتحسن حركة الإنتاج واستقرار السوق. ونوه حبزة إلى أن السوق اليوم يعمل وفق نظام "السوق الحر"، وهو ما يختلف عن الآلية السابقة التي كانت تعتمد على نشر تسعيرة أسبوعية للخضار والفواكه، والتي كانت خاضعة لمزاجية المراقبين وتحديد نسب ربح لتجار الجملة ونصف الجملة والمفرق دون التزام فعلي، مما جعلها شكلية فقط. أما في نظام "السوق الحر" فأصبح التاجر يحدد السعر وفق التكلفة والربح الذي يراه مناسبًا، لكنه ملزم بالإعلان عن الأسعار.
وأوضح حبزة أن ثقافة "السوق الحر" ما زالت غير مستوعبة من قبل المستهلكين والتجار، مما أدى إلى حالات استغلال واضحة، مثل الفارق الكبير بين أسعار سوق الهال والمفرق، إذ قد يُباع الكيلو بـ6000 ليرة في سوق "الهال" ليصل إلى 10000 عند بائع المفرق، وهو ما وصفه بـ"الربح الفاحش". كما أضاف أن منع استيراد بعض المواد مع قلة الكميات الواردة إلى سوق الهال خلال الأيام العشرة الأخيرة نتيجة الطقس الحار وصعوبة القطاف، ونضوج بعض المنتجات مبكرًا، وارتفاع عمليات التصدير، كلها عوامل مجتمعة انعكست على زيادة الأسعار بشكل ملحوظ.