الثلاثاء, 12 أغسطس 2025 06:03 PM

جفاف يضرب اللاذقية: مزارعون يتخلون عن أراضيهم بسبب نضوب الآبار

جفاف يضرب اللاذقية: مزارعون يتخلون عن أراضيهم بسبب نضوب الآبار

صفاء سليمان – اللاذقية

مع بداية فصل الصيف وتحديدًا في شهر حزيران/يونيو الماضي، بدأت أزمة حادة تلقي بظلالها على القطاع الزراعي في ريف الساحل السوري، غرب البلاد. تجلّت هذه الأزمة في جفاف معظم الآبار، وهو ما يعزى إلى عوامل متعددة، أبرزها قلة الأمطار، والحفر العشوائي للآبار، بالإضافة إلى نقص في كميات المياه التي يتم ضخها من نبع السن من قبل الجهات المسؤولة، وفقًا لما أفاد به مزارعون محليون.

لم يقتصر تأثير هذه الأزمة على القطاع الزراعي فحسب، بل امتد ليشمل تربية الثروة الحيوانية وحتى مياه الشرب، مما اضطر المزارعين إلى شراء المياه من الصهاريج بأسعار تتراوح بين 100 و150 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ يفوق قدرتهم المالية في ظل الأوضاع المعيشية المتدهورة.

محاصيل يابسة

يقول علي زينة، وهو مزارع من قرية السباهي في ريف جبلة، لموقع نورث برس، إنهم أصبحوا غير قادرين على توفير المياه اللازمة لري محاصيلهم، مشيرًا إلى أن الخضراوات التي يزرعها تحتاج إلى الري كل ثلاثة أو أربعة أيام. ويضيف أن غياب المياه أجبره على الاعتماد على صهاريج المياه باهظة الثمن، حيث يبلغ سعر الصهريج الواحد 150 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ لا يستطيع تحمله في ظل انخفاض الدخل.

ويشير زينة إلى أن محاصيل البطاطا والموز والتبغ قد ذبلت نتيجة العطش، لافتًا إلى أن جميع المزارعين في القرية تركوا خضراواتهم، لأن تكلفة شراء المياه تفوق بكثير العائد الذي يمكن أن تحققه الزراعة. ويقول بأسى: "نحن نعمل دون إنتاج، والخضراوات يابسة، والآبار قد جفت، ولم نعد نملك وسيلة للبقاء في هذا العمل".

باتت هذه الأزمة تمثل تهديدًا وجوديًا للمزارعين الذين اضطروا إلى اقتلاع محاصيلهم وتوديع مواسمهم الزراعية، في ظل غياب حلول عاجلة وفعالة من الجهات المعنية.

قطف قبل الأوان

يتكرر الألم ذاته في حديث المزارع منهل زينة، وهو أيضًا من قرية السباهي. يقول منهل لنورث برس، إن جفاف الآبار اضطره إلى قطف المواسم قبل نضجها، مما يقلل من جودة الإنتاج ويضر بالعوائد الاقتصادية. ويضيف أن قلة الأمطار وعدم ضخ مياه نبع السن في القرى، بالإضافة إلى قدوم فصل الصيف، فاقم من حدة الجفاف.

ويشير المزارع إلى أن هذا الوضع دفع الكثيرين إلى التوقف عن الزراعة بشكل كامل، بعدما أصبح الاستمرار فيها "مغامرة خاسرة"، بلا ماء ولا دعم. فيما يقول محمد صبح، أو كما يُعرف بين أهل قريته بـ "أبو إبراهيم"، إن جميع الآبار قد جفت، ولم يبق أمامهم سوى خيار واحد: "شراء مياه الصهاريج".

ويضيف أبو إبراهيم لنورث برس، أن هذا الخيار ليس في متناول الجميع، فهو لا يملك القدرة على دفع تكاليفها، ونتيجة لذلك، تلفت محاصيله من "بندورة وفليفلة وباذنجان والموز وحتى النهر جف"، على حد قوله. ويشير إلى أن تكلفة تعميق البئر الواحد أصبحت باهظة، حيث يكلف حفر متر واحد من البئر بين 200 و 300 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ لا يمكن توفيره في ظل معاناة الناس من تأمين قوت يومهم. ويقول: "أنا لدي أربعة أولاد بالكاد أطعمهم، فمن أين لي بحفر بئر؟".

الآفات تفتك بالمزروعات

في قرية عين شقاق، يعيش المزارع عباس صبح كارثة مضاعفة، ويقول إنه "مع جفاف الآبار والأنهار، لم تعد هناك نقطة ماء يمكن الاعتماد عليها في الزراعة". ويضيف صبح لنورث برس، أنه قام بحفر بئر جديد، لكنه فوجئ بعدم وجود أي مياه فيه، ما أجبره على اقتلاع محصول الخيار بعد أن أصابته "دودة القرع".

ويشير إلى أنه كما فشلت زراعة البندورة في النمو بسبب الجفاف، مضيفًا بأسى: "كل شيء عندي يابس، الفاصولياء والبندورة اقتلعناها، ولا توجد لدينا إمكانية لشراء المياه، خاصة مع انخفاض أسعار الخضار بشكل حاد".

حدود دنيا للمياه

فيما يشير المهندس محمود القدار، مدير الموارد المائية في اللاذقية، إلى خطورة الوضع الحالي، معتبرًا أن هذا العام هو عام استثنائي نتيجة انخفاض الهطول المطري بشكل غير مسبوق، ما انعكس مباشرة على الحصاد المائي الذي بقي في حدوده الدنيا. ويقول القدار لنورث برس، إن السدود التي تشرف عليها مديرية الموارد، وعددها 14 سدًا بحجم تخزين يبلغ نحو 366 مليون متر مكعب.

ويضيف، "بدأنا خلال الموسم الجاري بتخزين 40 بالمائة فقط من سعتها التصميمية، وهي نسبة منخفضة جدًا، على حد قوله. ويشير مسؤول الموارد المائية إلى أن مدينة جبلة تعتمد في تزويدها بالمياه على مصدرين هما السدود ونبع السن، والأخير مصدر هام "لكنه يضخ بمعدل 5 متر مكعب في الثانية فقط، وهو بالكاد يكفي لمياه الشرب، خصوصًا أنه يزود محافظات اللاذقية وطرطوس وبانياس أيضًا".

وفيما يخص خدمة الري، يبين القدار أن هناك مجموعات ري تعمل على تنظيم توزيع المياه، مشيرًا إلى أنه تم إيقاف مجموعة الري التي كانت تعمل على نبع السن، وتم التعويض عنها بربط الشبكة بشبكات سد الحويز لخدمة نحو 3,000 هكتار.

ويضيف: "مع ذلك، فإن المياه تُقدّم بمقنن مائي منخفض ومدروس، يركز فقط على إنقاذ الأشجار المثمرة، إذ لا يمكن توفير كميات كافية لري كافة المزروعات." ويشير مسؤول الموارد إلى أن المقنن المائي المُعتمد يتراوح بين 0.5 إلى 0.6 لتر لكل هكتار في الثانية، وهو الحد الأدنى المطلوب للحفاظ على الحياة النباتية دون نمو مثالي.

أما الآبار الموجودة في محافظة اللاذقية، يقول القدار إنها "ليست جوفية عميقة ولا يتجاوز عمقها 50 مترًا، بل تُعد مياه سطحية متجمعة لا ترقى لمستوى المياه الجوفية الاستراتيجية، وهو ما جعلها عرضة للجفاف مع أول انخفاض في الأمطار".

ويرى مزارعون أنه في ظل هذا الواقع المأساوي، لا يمثل جفاف الآبار فقط أزمة زراعية آنية، بل يهدد الأمن الغذائي والاستقرار المعيشي في مناطق واسعة من الساحل السوري، ما يستدعي تحركًا عاجلًا من الجهات المسؤولة، لوضع خطط مستدامة لإدارة الموارد المائية، وتقديم دعم مباشر للمزارعين، قبل أن تتحول الأراضي الزراعية إلى أراضٍ بور، ويضيع معها مصدر رزق آلاف الأسر.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: