الثلاثاء, 5 أغسطس 2025 04:05 PM

إصرار في الرقة: مكاتب سيارات متنقلة تؤسس لمستقبل النازحين

إصرار في الرقة: مكاتب سيارات متنقلة تؤسس لمستقبل النازحين

في ريف الرقة، تبرز مبادرة ملهمة أطلقها نازحون فروا من الحرب، حيث أسسوا مكاتب سيارات متنقلة تعمل في ظروف معيشية قاسية. هذه الخيام البسيطة تحولت إلى مراكز لبيع وشراء المركبات، ولا تقتصر أهميتها على التجارة فحسب، بل تجسد إرادة النازحين في بناء مستقبل جديد يواجهون به التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضها النزوح.

من خيمة إلى مصدر رزق مستقر

أحمد الجدوع، نازح يبلغ من العمر 56 عاماً من ريف حمص، هو أحد المبادرين الذين أسسوا مكتب سيارات متنقل في ريف الرقة. يروي لـ”سوريا 24″: “عندما وصلنا إلى هذه المنطقة بعد النزوح، واجهنا صعوبة في إيجاد عمل ثابت. فقررت استثمار خبرتي في مجال السيارات لتأمين دخل لي ولعائلتي، خاصة بعد أن لمست حاجة حقيقية لهذا النوع من الخدمات في المنطقة. بدأنا بخيمة صغيرة، واليوم لدينا زبائن من مختلف المناطق.”

ويضيف الجدوع: “الدافع الأساسي لم يكن الرغبة في التجارة فحسب، بل الحاجة الملحة لمصدر دخل سريع. ركزنا على بيع وشراء الشاحنات والجرارات والمعدات الزراعية، كونها الأكثر طلباً في هذه البيئة الريفية.”

أمان اقتصادي واجتماعي للنازحين

مصطفى العلي، شريك الجدوع في العمل ويبلغ من العمر 35 عاماً، يشير إلى الجانب الاجتماعي والإنساني للمبادرة، قائلاً: “مع بدايات الثورة، انتشرت حالات الاحتيال في بيع السيارات، ووقع كثيرون ضحايا لشراء سيارات مسروقة أو غير قانونية. من هنا، برزت أهمية هذه المكاتب التي وفرت للنازحين نوعاً من الأمان والموثوقية، خاصة أولئك الذين لا يعرفون المنطقة أو كيفية التعامل مع المكاتب المحلية.”

ثقة مجتمعية متنامية

ويؤكد ذلك أيضاً علي العساف، نازح يبلغ من العمر 41 عاماً، في تصريح لـ”سوريا 24″، معبراً عن ارتياحه لتجربته مع هذه المكاتب: “اشتريت شاحنة عبر أحد هذه المكاتب، وكان التعامل سلساً وسريعاً دون أي تعقيدات بيروقراطية. وجود هذه المكاتب ساعدنا كثيراً كنازحين في تأمين وسائل العمل وكسب لقمة العيش بطرق آمنة ومرنة.”

استجابة لحاجات الريف ومجتمعه

تعكس طبيعة النشاط التجاري لهذه المكاتب، والمتمثلة في التركيز على الشاحنات والمعدات الزراعية، مدى ارتباطها باحتياجات المجتمع الريفي في الرقة، حيث يعتمد السكان بشكل رئيسي على الزراعة والأنشطة المرتبطة بها. هذا التوجه يشير إلى مدى وعي أصحاب هذه المكاتب بالواقع الاقتصادي المحلي وقدرتهم على تقديم حلول عملية تناسب السياق الذي يعيشون فيه.

نموذج يحتذى في الصمود والإبداع

تعد تجربة مكاتب السيارات المتنقلة مثالاً حياً على قدرة الإنسان السوري على التكيف والإبداع حتى في أقسى الظروف. فقد أثبت النازحون أنهم قادرون على تحويل التحديات إلى فرص، من خلال الاعتماد على المبادرة الذاتية والعمل الجماعي. هذه المبادرات لا توفر فقط مصادر دخل لأصحابها، بل تسهم في استقرار مجتمعات النزوح وتحقيق نوع من التوازن الاقتصادي والاجتماعي داخل بيئة قاسية تعاني من تراجع البنية التحتية والخدمات الأساسية.

رسالة أمل من ريف الرقة

تجربة هذه المكاتب المتنقلة تحمل في طياتها رسالة واضحة: أن النزوح لا يعني نهاية الأمل. بل على العكس، يمكن أن يكون بداية لمشاريع ناجحة ومبادرات رائدة تنبع من الحاجة وتصقلها الإرادة. إنها قصة صمود تبرهن أن الإنسان قادر على خلق فرص جديدة له ولأسرته، حتى وسط ظروف النزوح والمعاناة.

مشاركة المقال: