الأربعاء, 4 يونيو 2025 09:46 AM

وثائق استخباراتية تكشف: الصحفي الأمريكي أوستن تايس ضحية سجون الأسد

وثائق استخباراتية تكشف: الصحفي الأمريكي أوستن تايس ضحية سجون الأسد

في زمن تتشابك فيه خيوط الحقيقة مع ضباب السياسة، تبرز قضية الصحافي الأمريكي أوستن تايس كمأساة إنسانية وسياسية تكشف عن وجه نظام الأسد الساقط بكل تناقضاته وقسوته. وثائق استخباراتية سرية، حصلت عليها «هيئة الإذاعة البريطانية»، تنسف رواية النفي الرسمي التي تمسك بها نظام بشار الأسد لسنوات، وتضعنا أمام حقيقة موثقة: تايس، الذي جاء إلى سوريا ليروي قصة الحرب بعيون صحافي مستقل، كان أسير زنازين النظام في دمشق.

كان تايس، الضابط السابق في قوات المارينز والطالب في جامعة جورج تاون، يحمل حلما بتسليط الضوء على معاناة السوريين. لكن، في أغسطس 2012، وفي منطقة داريا القريبة من دمشق، تحول حلمه إلى كابوس. اختفى فجأة، تاركا خلفه أسئلة بلا إجابات. وبعد سبعة أسابيع، ظهر في مقطع مصور يثير الريبة، معصوب العينين ومقيد اليدين، محاطا بملثمين يجبرونه على ترديد كلمات لا تعبر عنه.

لكن الوثائق الجديدة، التي كشفتها «بي بي سي» ضمن تحقيق استقصائي دقيق، تؤكد أن اليد التي أمسكت بتايس لم تكن سوى يد النظام نفسه. في منشأة أمنية بمنطقة التحونة بدمشق، قضى تايس أيامه تحت رحمة ميليشيا «قوات الدفاع الوطني» الموالية للنظام، ثم انتقل إلى استجوابات جهاز الاستخبارات العامة. وثيقة مصنفة بـ«سري للغاية» تكشف أن النظام أدرك قيمة تايس كورقة ضغط محتملة في مفاوضات مع واشنطن. لقد كان رهينة في لعبة جيوسياسية، يُستخدم كأداة للمساومة.

شهادات ضابط استخبارات سابق تؤكد استمرار احتجازه حتى فبراير 2013 على الأقل، بينما تروي أخرى محاولته اليائسة للهروب عبر نافذة زنزانته، ليعاد اعتقاله ويواجه جولات استجواب أخرى. تايس، الذي تلقى علاجا طبيا مرتين بسبب مشاكل صحية، بدا كما وصفه شاهد عيان "حزينا، كأن البهجة قد سُرقت من وجهه"، لكنه تلقى معاملة أفضل من السجناء السوريين الآخرين.

لكن هذه "المعاملة الأفضل" لم تكن سوى قناع رقيق يخفي وحشية نظام جعل من الاختفاء القسري سياسة منهجية، إذ تتحدث تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن أكثر من 100 ألف مختف قسريا خلال حكم الأسد. مع سقوط النظام في ديسمبر 2024، فُتحت السجون وأُفرغت المقرات الأمنية، لكن تايس لم يكن بين من عادوا. الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، ووالدته ديبرا، تمسكا بأمل بقائه على قيد الحياة، مستندين إلى مصادر وصفت بـ«الموثوقة». لكن الغموض لا يزال يكتنف مصيره، في قضية تُعد من أطول حالات احتجاز صحافي أمريكي في العصر الحديث.

هذه القصة ليست مجرد مأساة فرد، بل هي مرآة تعكس ممارسات نظام راهن على القمع والصمت. واليوم، مع كشف الوثائق، تتجدد الدعوات لكشف مصير تايس، وإنهاء فصول الغموض التي أحاطت بقضيته لأكثر من عقد. إنها دعوة للعدالة، لكنها أيضاً دعوة للتأمل في كلفة الصمت الدولي إزاء انتهاكات لم تتوقف عند حدود سوريا.

مشاركة المقال: