تستعرض المهندسة “لجين سليمان” في كتابها "نهضة الصين" التجربة التنموية الناجحة لهذا البلد، والتي يمكن أن تُلهم السوريين في بعض جوانبها وهم يستعدون لبناء دولتهم الجديدة.
وفيما يتعلق بإمكانية تطبيق التجربة الصينية على سوريا، تقول أول طالبة دكتوراه أجنبية تتخرج من كلية الهندسة في جامعة تشونغتشينغ، لـ”سناك سوري”، إن النموذج الصيني خاص بالصين، وأن دول العالم الثالث قادرة على ابتكار نماذجها التنموية الخاصة وفقاً لظروفها المحلية، ومع ذلك، فإن في التجربة الصينية العديد من المزايا التي يمكن للسوريين الاستفادة منها.
التي عملت في مجال الإعلام أضافت أن الصينيين استكشفوا النماذج الاقتصادية والاجتماعية التي تناسبهم لتنمية بلادهم، وأدركوا كيف أن التطور الاقتصادي ينعكس على النموذج الاجتماعي، وقد عملوا على ربط النموذجين ونجحوا في انتشال المواطنين من الفقر المدقع، وفي سوريا اليوم، فنحن بحاجة إلى النهوض بالناس من الفقر.
في التجربة الصينية العديد من المزايا التي يمكن للسوريين الاستفادة منها.
«نحن بحاجة لاستكشاف نموذج ينهض بالفقراء، لأن البلد الذي لا ينهض بالمهمشين والفقراء، البلد الذي يعمل على زيادة الغني غنىً والفقير فقراً هو بلد بالتأكيد لا يعول عليه»، تقول “لجين”.
عملت الصين على توسيع قاعدة الطبقة الوسطى، ونجحت في إيصال البنى التحتية إلى أبعد قرية نائية، وفي سوريا، نحن بحاجة إلى مثل هذا النوع من التنمية، تقول المهندسة الشابة، وتضيف: «نحتاج إلى أن نمتلك نموذجنا الخاص، البعض يقول إن هناك نماذج جاهزة تصلح للتطبيق في سوريا، وهذا ربما صحيح مع بعض التعديلات الطفيفة لتناسبنا».
تضيف: «أنا ضد فكرة تطبيق نموذج كامل على دولة كاملة، لكن يمكن الاستفادة من النموذج الصيني من خلال أخذ العبر، ويبقى أسلوب التطبيق مرهوناً بظروفنا المحلية، فلكل بلد خصائصه التي تلعب دوراً كبيراً».
في كتابها، أشارت لجين إلى كيفية نهوض المدن الصينية وتطور القرى النائية، وكيف أُنقِذ الناس من الفقر، مع استمرار العمل على ردم الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، وترى أن هذا ما نحتاج إلى تطبيقه في سوريا.
لجين سليمان: نحتاج إلى أن نمتلك نموذجنا الخاص، البعض يقول إن هناك نماذج جاهزة تصلح للتطبيق في سوريا، وهذا ربما صحيح مع بعض التعديلات الطفيفة لتناسبنا
المهندسة الشابة، التي عملت على بناء جسور ثقافية بين العرب والصين، توجّه كتابها إلى صنّاع القرار وإلى الناس أيضاً، وتوضح لـ”سناك سوري” أن المواطنين بحاجة إلى معرفة حقوقهم كمواطنين وكيفية المطالبة بها، متمنية على الناس الاطلاع على التجربة الصينية ليدركوا ما يمتلكه المواطن الصيني اليوم من حقوق.
في الصين، هناك 56 قومية. والسؤال المطروح كيف اندمجت هذه القوميات مع بعضها البعض؟ في سوريا، نحن بحاجة إلى فهم هذا الجانب، وكيف أن التنمية الصينية أسهمت في خلق حالة جعلت الناس تدرك ما تريد. لقد دمجت التجربة الصينية المواطنين في مشروع وطني واحد، رغم اختلاف قومياتهم، فالجميع يعمل من أجل الوطن. ونحن اليوم بحاجة ماسّة إلى مثل هذه الحالة، خاصة مع تصاعد الخطاب الطائفي.
تقول لجين إن على السلطات أيضاً أن تعمل على تقديم كل ما يلزم الناس من بنى تحتية وسبل معيشة، وتضيف أن الكتاب يتضمن فكرة أثر البنى التحتية على التقدم الاجتماعي، فالبنية التحتية القوية تسهم في تطوير الناس والمجتمع، وتطرح مثالًا على ذلك الطرق الصينية المصممة لتختصر وقت السفر أمام المواطنين، من خلال القطارات فائقة السرعة التي أُنجزت لراحة المواطن، لذا، فإن صُنّاع القرار بحاجة إلى تبنّي أفكار من التجربة الصينية.
الحاكم خادم
في الفصل الأول من كتابها، تركز الكاتبة السورية على فلسفة الحكم في الصين، وهي الفلسفة الكونفوشيوسية التي تقوم على أن الحاكم خادم لشعبه، وتشرح أثر هذه الفلسفة المزدوجة على كلٍّ من المواطن وصانع القرار، إذ يجب على الأخير أن يدرك أن المنصب مسؤولية، وأن وجوده هو من أجل خدمة الناس، لا للفخر كما كان الحال في عهد النظام السابق.
كذلك، يدرك المواطن من خلال هذه الفلسفة في الحكم أنه ليس مضطراً لتأليه الحاكم أو تقديسه، وتضيف لجين أن علاقة المواطن بالحاكم يجب أن تكون براغماتية، فإذا قدّم الحاكم شيئاً نافعاً، أحبه الناس، وإذا لم يقدّم، فإنهم لا يحبونه ويطالبون بتغييره، فشرعية الحاكم تُستمد من قدرته على تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعب.
لجين سليمان: شرعية الحاكم تُستمد من قدرته على تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعب.
تقول إنها كتبت هذا الكتاب وكلها أمل في أن تستفيد سوريا من وتنهض على كل المستويات، وتؤكد أن علينا انتزاع الأمل بقوتنا، من خلال اتحادنا معاً، بغض النظر عن أي انتماء آخر، وتحمّل النظام السابق مسؤولية ترسيخ التصنيفات الطائفية، لكنها تشير إلى أن عهد ذلك النظام قد انتهى، وأننا نعيش اليوم في زمن جديد يجب أن نسعى فيه جميعًا لبناء سوريا الجديدة. وتتساءل: كيف سنبنيها إن كنا سنتحارب؟
تحمل الكاتبة السورية أملاً كبيراً في أن تُطبّق بعض ملامح التجربة الصينية في سوريا، وتقول إن هذا الأمل يشوبه الألم، فكلنا موجوعون، وتختم بالقول: «أتمنى اليوم أن نرى النهضة السورية في العصر الجديد».