في خطوة أثارت القلق والاستياء، تلقّت مئات العائلات من مهجّري حي جوبر الدمشقي المقيمين في ضاحية العرين في منطقة قدسيا بريف دمشق أوامر رسمية بإخلاء مساكنهم المؤقتة، رغم غياب أي بديل سكني حقيقي يمكن أن يؤمّن لهم الحد الأدنى من الاستقرار. ويعيش هؤلاء المهجّرون ظروفًا إنسانية صعبة، بعد أن فقدوا منازلهم وأرزاقهم بسبب حرب النظام على الحي وتهجيرهم إلى الشمال السوري في وقت سابق، قبل أن يعودوا إلى ريف دمشق ويسكنوا في مساكن الجيش في ضاحية العرين بمنطقة قدسيا.
يقول أبو راتب الجوبراني، أحد السكان المتضررين، لمنصة “سوريا 24″، إنه اضطر للتنقل بين عدة مناطق مثل عفرين وبنش بعد عمليات التهجير، قبل أن يستقر في العرين بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، موضحًا أنه يعيش مع أطفاله الثلاثة في منزل بسيط، وأنه مصاب، مثله مثل العديد من السكان الذين فقدوا أفرادًا من عائلاتهم في الحرب. وأضاف أن حي جوبر، الذي ينتمي إليه، مدمّر بالكامل، ولا يمكن العودة إليه بأي شكل، الأمر الذي يجعله متمسكًا بمسكنه الحالي، ولو على حساب قوته اليومي.
من جهته، أشار أبو كنان الجوبراني، وهو مهجّر آخر يقيم في العرين مع عائلته المكوّنة من 13 شخصًا، إلى أن القرار جاء مفاجئًا، ويفتقر إلى أي حسّ بالمسؤولية الاجتماعية. وقال لمنصة “سوريا 24″ إن العائلات التي تقيم حاليًا في العرين تم اختيارها من قبل الجهات المسؤولة في وقت سابق وفق معايير محددة، كونهم من المهجّرين، أو من ذوي الشهداء، أو من الأرامل والأيتام، وجميعهم لا يملكون بديلًا سكنيًا. وأوضح أن الغالبية تعتمد على رواتب لا تتجاوز 150 دولارًا شهريًا، بينما بلغت أسعار الإيجارات في المنطقة أكثر من مليون ليرة سورية، وهو ما يجعل الانتقال إلى أي مكان آخر شبه مستحيل.
المهندس محمد جلال، مدير ملف الإسكان لمهجّري جوبر، أكّد في تصريح خاص لـ”سوريا 24” أن ما يحدث في العرين يُعد أزمة إنسانية حقيقية، مشيرًا إلى أن السكان أُسكنوا في هذه المنطقة بطريقة منظمة، ومن خلال معايير واضحة حدّدها القائمون على المنطقة، وقد شملت المهجّرين قسرًا، وذوي الشهداء، والمصابين، والأيتام، والأرامل. وأضاف جلال أن حي جوبر لا يزال حتى اليوم منطقة مدمّرة كليًا، ولا تتوفر فيه أي بنية تحتية تتيح العودة، سواء من حيث الخدمات الأساسية أو المرافق العامة أو شبكات الكهرباء والمياه، كما أن خطط إعادة الإعمار لم تُطرح بشكل واضح حتى الآن.
ويُقدّر عدد العائلات المقيمة في ضاحية العرين من مهجّري جوبر بأكثر من ألف عائلة، بينما يتراوح العدد الإجمالي للمهجّرين من الحي ما بين 1700 إلى 2000 عائلة، توزّع أغلبهم في الشمال السوري وريف دمشق، بعد أن اضطروا إلى مغادرة منازلهم إثر العمليات العسكرية.
في ظل هذا الواقع، عبّر السكان عن رفضهم للقرارات الأخيرة، ونظّموا مظاهرات سلمية للمطالبة بتجميد قرارات الإخلاء، وتأمين بدائل سكنية تضمن كرامتهم، إضافة إلى مطالبة الحكومة بإعادة النظر في خطط التعامل مع المهجّرين، والبدء بخطوات واقعية لإعادة تأهيل حي جوبر، بما يتيح عودة تدريجية وآمنة للأهالي في حال توفر الحد الأدنى من مقوّمات الحياة. ورغم تعاقب السنوات على تهجيرهم، لا يزال كثير من سكان جوبر يعيشون على أمل العودة إلى حيّهم، غير أن الواقع المفروض اليوم يهدّدهم بالتشريد مجددًا، في ظل غياب الدعم الفعلي وارتفاع تكاليف المعيشة، وغياب أية حلول بديلة حقيقية.
ولا يقتصر سكان العرين، التي هي في الأصل مساكن للجيش، على سكان جوبر، بل يقطنها عدد من مهجّري ريف دمشق الذين هُجّروا إلى الشمال أيام النظام البائد، وعادوا إلى مدنهم وقراهم ليجدوها مدمّرة بالكامل ولا توجد فيها أي مقوّمات للحياة.
يقول أحد السكان المتضررين في نهاية حديثه: “هات من هات… يا ريت الزمان يعود”، في إشارة مؤلمة إلى حنين العودة الذي يقابله واقع مؤلم من التهجير المتكرر والإهمال.