بينما تمضي أشهر على التغيير السياسي في سوريا، ما زالت ملامح التعافي الحقيقي غائبة عن العديد من المناطق التي عانت من سنوات الحرب، ومنها مدينة القصير الواقعة في ريف حمص الغربي. المدينة التي شهدت معارك دامية ودماراً واسعاً في البنية التحتية، تعيش اليوم أوضاعاً معيشية وخدمية صعبة، رغم بعض المحاولات المتواضعة لإعادة الحياة إلى طبيعتها. سكان القصير يشكون من واقع خدمي متدهور، يطال حتى الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية، كالخبز والمياه والصرف الصحي، بينما تشير تصريحات المسؤولين المحليين إلى قلة الإمكانيات وضعف التخطيط كأبرز العوائق أمام استعادة الخدمات الأساسية.
رغيف الخبز: بين النايلون والجودة الرديئة
في البداية، عبّر عدد من المواطنين عن استيائهم من جودة رغيف الخبز المنتج في الفرن الآلي الوحيد بالمدينة، يقول ياسر القصيراوي في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “نأخذ رغيف خبز نصفه هشّ والنصف الآخر مليء بالشوائب، بل وبعض الأهالي عثروا على قطع من أكياس نايلون داخل العجين، ولا أحد يعرف مصدرها أو كيف دخلت خط الإنتاج”. ويضيف القصيراوي: “كلنا نعلم أن الظروف صعبة، لكن لا يمكن أن نُطعم أبناءنا خبزاً غير صالح للاستهلاك البشري، هذا ليس حلاً مؤقتاً، بل هو تجاهل للصحة العامة”.
الصرف الصحي: انهيار مستمر
إلى جانب أزمة الخبز، يعاني السكان من مشكلة أخرى لا تقل خطورة: توقف شبكات الصرف الصحي وانسداد معظمها. ويقول القصيراوي: “في بعض الأحياء، أصبحت المياه الراكدة المختلطة بمياه الصرف تملأ الشوارع، مما يؤدي إلى انتشار الروائح الكريهة والأمراض”.
تعافي بطيء ووعود بدعم دولي
من جانبه، أكد المهندس طارق حصوة، رئيس مجلس مدينة القصير في حديث لمنصة سوريا ٢٤، على أن الواقع الخدمي بدأ في التعافي “بطريقة بطيئة”، مشيراً إلى تحسن نسبي في مجال إنارة الشوارع وجمع النفايات. لكن في المقابل، أعرب حصوة عن تخوفه من تفاقم بعض المشكلات، خاصة فيما يتعلق بالفرن الآلي وشبكة الصرف الصحي، قائلاً: “الفرن يعاني من ضعف كبير في الإدارة، إضافة إلى سوء خطوط الإنتاج رغم تركيب خط جديد، وهو ما انعكس بشكل مباشر على جودة رغيف الخبز، والتي لا تزال دون المستوى المطلوب”. وفيما يتعلق بشبكة الصرف الصحي، لم يخفِ المسؤول المحلي حجم الكارثة، إذ تابع قائلاً: “للأسف، الوضع الآن أسوأ مما كان عليه قبل فترة التحرير. هناك انهيار كامل في الشبكة الرئيسية، ونحن نبذل جهداً كبيراً لترحيل المياه وإصلاح بعض الخطوط، لكن الأمور تحتاج إلى وقت وإمكانات لا توجد لدينا حالياً”.
تعاون مع المحافظة والمنظمات الدولية
وأشار حصوة إلى أن المجلس البلدي يواصل التنسيق مع الجهات المعنية في المحافظة، كما بدأت المنظمات الدولية بجمع البيانات حول المشاكل الخدمية والبنية التحتية في المدينة، في محاولة لتحديد الأولويات وتقديم الدعم المناسب. وقال: “نأمل أن تترجم هذه الجهود إلى مشروع حقيقي على الأرض خلال الفترة المقبلة، لأن المدينة تحتاج إلى إعادة تأهيل شاملة، وليس فقط حلولاً مؤقتة.” ورغم كل المصاعب، يبقى أهل القصير يتمسكون بأمل عودة الحياة إلى مدينتهم، ويأملون أن تتحول وعود الجهات المحلية والدولية إلى واقع ملموس، قبل أن تتفاقم الأزمات وتتحول إلى كارثة إنسانية جديدة. وفي الوقت الذي تنتظر فيه المدينة دعماً عاجلاً، يبدو واضحاً أن طريق التعافي سيكون طويلاً ومعقداً، إلا إذا تحركت الجهات المعنية بجدية أكبر وأسرع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.