في قلب حلب، المدينة الصابرة والصامدة، وفي رحاب قلعتها التاريخية الشاهدة على عظمة الماضي، أقيم حفل مهيب لتكريم أبطال عملية "خلف الخطوط" الذين مهدوا الطريق لتحرير المدينة وكامل التراب السوري. صور الشهداء الخمسة علت المكان، بينما خطا أبطال العملية على أدراج القلعة، في مشهد يجسد ولادة نصر جديد.
"حلب مفتاح النصر"، هكذا كانت الفعالية التي احتفت بالمقاتلين وذوي الشهداء، أولئك الذين آمنوا بعدالة قضيتهم فصدقهم الله، وكتبوا بدمائهم فجرًا جديدًا لسوريا.
محمد حجازي… صوت الشهيد الحي
محمد حجازي، أحد أبطال العملية، يروي تفاصيلها قائلاً: "أشهر من التخطيط والتجهيز، اختراق نقاط العدو قبل الموعد بأسابيع، كيلومترات مشيناها خلف الخطوط. لم نكن نعلم أننا نكتب بداية النصر، لكننا صدّقنا الوعد، فصدقنا الله".
وفي حديثه لـ"سوريا 24"، أضاف: "تدرّبنا كثيرًا، وأحدثنا خرقًا في صفوف النظام من جبهتي قبتان الجبل غرب حلب، والباب شرقها. العملية بدأت بانغماسي روحه وجسده مهدا للنصر". حجازي يؤكد أن الإيمان بعدالة القضية كان الدافع لانهيار خطوط النظام والميليشيات الموالية له.
الطفولة التي كبرت على عجل
جيل الثورة، الذي لم يتجاوز العاشرة حين انطلاقها، وجد نفسه في مواجهة القتل والظلم والتهجير، ما زرع في قلبه إصرارًا على أن يكون صوت المظلومين وذراعهم في زمن الانكسار.
شهداء من نور
أحمد عوض سليمان، يحمل صورة ابن أخيه الشهيد محي الدين الأشعري، الذي سقط في معركة تحرير حلب، ويقول: "محي الدين لم يكن يقاتل فقط، بل كان يحمل همّ كل معتقل ومعتقلة، ويتساءل متى تخرج الحرائر من الزنازين؟".
أما الشهيد محمد أحمد الحسين، فقد استُشهد في بداية المعركة، وكان حلمه إعادة أهله المهجّرين إلى بيوتهم. والده يؤكد أن كلماته بقيت وعدًا بين الرفاق: "لن أترك الظلم قائمًا، ولن أعود إلا والكرامة معنا".
أمجد أسود الشب، أول من ارتقى في معركة التحرير، كان صوته الصامت شرارة البداية، والمبدأ الذي لا رجعة عنه، كما يروي والده. كانت الحرائر ينتظرن من يفك قيدهن، وكانت خطوته بداية النهاية لآلة الظلم.
فعالية النصر
بحضور الرئيس أحمد الشرع، ومحافظ حلب، ومدير الأوقاف، واللواء عبد القادر طحّان، كُرّم ذوو الشهداء الخمسة و"الشهداء الأحياء" من منفذي عملية "خلف الخطوط" بدروع شرف قُدّمت باسم رئاسة الجمهورية.
عبير الفارس، مسؤولة مكتب المرأة في الهيئة السياسية بحلب، أكدت لـ"سوريا 24" أن "تكريم الشهداء في قلعة حلب هو إعلان رمزي بأن هذه الأرض تكتب تاريخها من جديد. خمسة عشر رجلًا من رجال الميدان، خمسة ارتقوا في العملية، والبقية أُصيبوا، هؤلاء هم من رسموا الطريق للحرية".
الرئيس أحمد الشرع سلّم دروع الشرف لعائلات الشهداء، وشارك المقاتلين فرحة النصر، مؤكدًا أن دماء الشهداء هي من مهّدت الطريق نحو سوريا الحرة. ومن المقرّر أن يُوضع سلاح مقاتلي "خلف خطوط العدو" وبزّاتهم العسكرية في متحف خاص يُخلّد تضحياتهم وتضحيات الشعب السوري.
من التكريم إلى العهد الجديد
منظّمو الفعالية صرّحوا بأن "هذا التكريم ليس نهاية، بل بداية عهد جديد، نحفظ فيه كرامة من ضحّى، ونرعى من تركهم خلفه". كما تم الإعلان عن تخصيص رواتب شهرية لعائلات الشهداء، ومتابعة أوضاعهم المعيشية والاجتماعية بشكل دائم.
أحد المنظّمين اختتم بكلمات رمزية: "النصر لم يُكتب بالعتاد، بل بالإيمان، بخطوات شباب عبَروا خلف خطوط العدو، وفتحوا بوابة كنا نظنها مغلقة. هؤلاء هم المفتاح، وهم الطريق".
في حلب، عاد التاريخ ليتنفّس، وعادت القلعة لتهمس للعالم: "هؤلاء أبنائي، وهنا كانت بداية النصر".