سناك سوري _ دمشق
أثارت صورة متداولة لمحضر استجواب رسمي جدلاً واسعاً، على خلفية الإشكال الذي وقع بين رئيس قسم "الصالحين" في "حلب"، "عبيدة الطحان"، والقاضي "أحمد حسكل"، والذي انتهى بالاعتداء على القاضي و توقيف "الطحان".
بعد الضجة التي أحدثها الاعتداء على القاضي وتنظيم تظاهرة احتجاجية في القصر العدلي رفضاً للاعتداء، خرجت احتجاجات مضادة أمام القصر طالبت بالإفراج عن "الطحان"، متهمةً القاضي بأنه من فلول النظام ويصدر أحكاماً جائرة ضد المشاركين بالثورة. في المقابل، أصدرت وزارة العدل بياناً أكدت فيه أن "حسكل" لم يعمل في محكمة الإرهاب، خلافاً للاتهامات الموجهة إليه. انتهت القضية بإعلان تصالح "الطحان" و"حسكل"، حيث عفا القاضي عن رئيس القسم بعد الحادثة، ليتم الإفراج عن "الطحان" بناءً على المصالحة.
المفارقة تكمن في أن الصورة المتداولة لمحضر الاستجواب تظهر اسم "عبيدة الطحان" بلقبه "أبو مجاهد" في خانة المدعي الشخصي، مما يعني أنه هو من قدم الشكوى ضد القاضي وليس العكس. والأغرب من ذلك هو استخدام الألقاب في محضر رسمي، حيث ورد اسم "أبو عبد الرحمن" كمشرف على قسم التحقيق وبحضور المحقق "أبو أسامة".
وبحسب رواية "الطحان"، فقد احتكم الطرفان إلى "الشريعة" لحل خلافهما، ثم عفا عنه "حسكل" ليتم الإفراج عنه. يذكر أن قبيلة "النعيم" التي ينتمي إليها "الطحان" أصدرت بياناً اعتبر بمثابة تهديد للسلطة في حال عدم إطلاق سراحه، وتحدثت أنباء عن انطلاق رتل عسكري من "أعزاز" نحو "حلب" للمطالبة بإخراجه من السجن.
الصورة الكاملة للحادثة تكشف أن "الطحان" هو من بادر بالشكوى ضد "حسكل" رغم اعتدائه عليه، مع توجيه تهمة الانتماء للنظام السابق، التي وجدت جمهوراً جاهزاً للتصديق والتظاهر، مع سهولة إطلاق صفة "شبيح" على القاضي، على الرغم من نفي وزارة العدل لعمله في محكمة الإرهاب.
من جانب آخر، يثير إطلاق سراح "الطحان" عقب المصالحة الشخصية مع "حسكل" إغفالاً للحق العام في قضية رئيسية تتعلق بحماية السلطة القضائية واستقلاليتها وحصانة قضاتها. كما أن الحادثة تمثل نقطة تحول في طريقة التعامل مع قضايا مماثلة، لناحية تغول الأجهزة الأمنية ووصولها إلى حد الاعتداء على قاضٍ أثناء تأدية عمله وضربه وتوقيفه، وتمرير المسألة ببساطة بناءً على مصالحة شخصية بين الطرفين، وليس كسلطتين يجب الفصل بينهما دون تغول طرف على آخر.
إن استخدام ألقاب مثل "أبو أسامة" و"أبو مجاهد" في أوراق ومحاضر رسمية بدلاً من الأسماء الحقيقية، كما ينص القانون، يوحي بممارسات تحمل عقلية فصائلية بدلاً من عقلية الدولة والقانون والمؤسسات.
وكان الرئيس السوري "أحمد الشرع" قد أكد في وقت سابق أن "سوريا" تسعى لبناء دولة تقوم على المؤسسات وحكم القانون. وتنص المادة 43 من الإعلان الدستوري السوري على أن السلطة القضائية مستقلة ولا سلطة على القضاة إلا للقانون، وتؤكد المادة 2 على أن الدولة تؤسس لإقامة نظام سياسي يرتكز على فصل السلطات ويضمن الحرية والكرامة للمواطن.