عند سماع مصطلح "البلوك تشين"، غالبًا ما تتبادر إلى الأذهان صور العملات الرقمية مثل "بيتكوين" و"إيثريوم" وتقلباتها، بالإضافة إلى أسواق التداول المشفرة. ومع ذلك، فإن هذه الصورة الضيقة تخفي الإمكانات الهائلة لهذه التقنية التي تتجاوز مجرد كونها وعاءً رقميًا للنقود.
مميزات تقنية "البلوك تشين"
"بلوك تشين" هي تقنية مفتوحة المصدر، قابلة للبرمجة، ولا يمكن السيطرة عليها أو التحكم بها. تتيح لمستخدميها تسجيل وإدارة بياناتهم ومعلوماتهم الخاصة. وهي عبارة عن دفتر تسجيل رقمي موزع (شبكة لامركزية) للمعاملات التي يتم تكرارها وتوزيعها عبر الشبكة الكاملة للنظام في كتل سجلات مشفرة مرتبطة ببعضها البعض. وتعتمد على عملية "التعدين"، والتي تعني التحقق من صحة الكود "Hash" المميز لكل عملية.
استخداماتها
تكمن الميزة الرئيسية لتقنية "البلوك تشين" في قدرتها على توفير الأمان والشفافية والثقة دون الحاجة إلى وسطاء تقليديين مثل البنوك أو غيرها من الجهات الخارجية. يقلل تصميمها من مخاطر الاحتيال والأخطاء، مما يجعلها ذات قيمة خاصة في القطاعات التي تكون فيها المعاملات الآمنة ذات أهمية قصوى، بما في ذلك القطاع المالي والرعاية الصحية. كما تساعد الشركات على تحسين الكفاءة وخفض التكاليف من خلال تبسيط العمليات وتعزيز المساءلة.
تجارب عربية مع "البلوك تشين"
بدأت الدول العربية في استخدام تقنية "البلوك تشين" في مجالات مختلفة، وخاصة في المعاملات الحكومية، والخدمات المالية، وسلاسل الإمداد، والسجلات الصحية. كانت البحرين من أوائل الدول التي استكشفت إمكانات هذه التقنية، حيث وفرت منذ عام 2017 بيئة تنظيمية مناسبة للشركات الناشئة في هذا المجال، وبدأت في تطبيقات تجريبية خاصة بالقطاع المالي والمصرفي.
تعتبر تجربة الإمارات العربية المتحدة الأكثر شمولاً وطموحًا من حيث حجم المبادرات وتنوع استخداماتها، خاصة على المستوى الحكومي، من خلال "استراتيجية الإمارات للبلوك تشين 2021"، التي أطلقت في عام 2018 بهدف تحويل 50% من التعاملات الحكومية على المستوى الاتحادي إلى هذه التقنية.
تلتها المملكة العربية السعودية بخطوات متسارعة منذ عام 2018، من خلال استخدام هذه التقنية في التحويلات المالية البنكية، بعد تعاون بين مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) و"ريبل" في عام 2019. كما أعلنت في عام 2021 عن استخدام "البلوك تشين" في توثيق الصكوك العقارية إلكترونيًا، وأطلقت مشروع "إيصال" لتوثيق فواتير المياه والكهرباء عبرها.
أطلق البنك المركزي المغربي، في عام 2018، دراسات لتوظيف "البلوك تشين" في النظام المصرفي، بالإضافة إلى مشاريع تجريبية في قطاع الطاقة المتجددة وتوثيق شهادات الكربون. ومنذ عام 2019، بحثت وزارة التموين المصرية إمكانية استخدام "البلوك تشين" في تتبع سلسلة الإمداد الغذائي، وأبدى البنك المركزي المصري اهتمامًا باستخدامها في التحويلات عبر الحدود، وعقد اتفاقيات مع شركات عالمية لتطوير حلول رقمية للبنوك من خلالها.
بدأت هيئة تنظيم مركز قطر للمال في عام 2020 بوضع إطار تنظيمي لاستخدام "البلوك تشين" في الأنشطة المالية، كما تعاونت مع شركات تكنولوجيا لتوظيفها في مكافحة غسل الأموال والامتثال.